للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذه صورة المناة قين الذين عدموا بعد النظر فكفروا وعدموا الشجاعة فتستروا آمنوا بألسنتهم وكفروا بقلوبهم، وليس هذا بإيمان، وإنما الإيمان ينبع من القلب، ولذلك رد الله عليهم بقوله: {وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} ولكن من يخادعون بهذا؟ أيخادعون الله الذي يعلم سرهم ونجواهم؟ أم يخادعون المؤمنين الذين ارتفعوا فوق توافه دنياهم وسموا بأبصارهم إلى أخراهم ففازوا بهما جميعا؟ كلا! إنهم لا يخادعون إلا أنفسهم إذ لا يربحون من هذه المخادعة إلا خزي الدنيا وعذاب الآخرة، وإن لم يشعروا بذلك {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} وإنما لا يشعرون لأن {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا} وأولئك هم اليهود الذين أحدثوا بدعة النفاق في المدينة في فجر الإسلام وما يزالون إلى اليوم يدينون بها ويعيشون منها ويسيرون على ضوئها وذلك هو الفريق المراد بقوله تعالى: {وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ}.

{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} نزلت هذه الآية في أنس بن النضر رضي الله عنه - روى البخارى ومسلم والترمذي واللفظ له عن أنس- قال: عمي أنس بن النظر - سميت به- ولم يشهد بدرا مع وسول الله صلى الله عليه وسلم فكبر عليه فقال: أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم غبت عنه! أما والله لئن أراني الله مشهدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرين الله ما أصنع قال: فهاب أن يقول غيرها، فشهدء رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد من العام القابل فاستقبله سعد بن مالك فقال: يا أبا عمروا إلى أين؟ قال: واها لريح الجنة أجدها دون أحد، فقاتل حتى قتل، فوجد في جسده بضع وثمانون ما بين ضربة وطعنة ورمية، قال أنس: قالت عمتي الربيع بنت النظر: فما عرف أخي إلا من بنانه.

ونزلت هذه الآية: {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}.

هذا هو النموذج الأسمى والمثل الأعلى الذي تتقطع دونه الأعناق، ولكن يبقى على الدوام، هو الفريق القليل في العدد الكثير في المعنى.

وهكذا الناس نماذج ومنازل وصدق رسول الله صلى عليه وسلم إذ يقول:

<<  <   >  >>