هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن المرأة هي الإناء، وإن لون الماء لون إنائه، أي أن حضن المرأة هو المكان الأول الذي يتربى فيه الطفل ويتأثر به بعد أن يخرج من بطن أمه قطعة من لحمها ودمها وعقلها وتفكيرها أيضا. هذا المخلوق العظيم الذي يؤثر في أولادنا قبل أن يخرجوا إلى دنياهم وبعد أن يخرجوا إليها، كيف لا نهتم به اهتمامنا بأغلى شيء لدينا وأعز عزيز علينا؟
إن للمرأة- في الغالب- أولادا هي مسؤولة عن تربيتهم وتهذيبهم أكثر منا، لأنها تقضي معهم من الوقت أكثر مما نقضي، فلنعلمها أصول تربية الأولاد والأساليب الناجعة لتهذيبهم، وإن للمرأة زوجا تسأله عن طاعته وراحته وإدخال السرور على قلبه، فلنعلمها حقوق الزوج وآداب المعاشرة الزوجية، وإن لها من البيت مملكة تدبرها فلنعلمها كيف تدبر مملكتها، وإن لها جيرانا تقضي معهم يومها كاملا فلنعلمها آداب الجوار وحقوق الجار، وإن لها لغة يجب أن يظهر أثرها على لسانها ليظهر أثر القرآن في سلوكها ومشاعرها، وإن لها دينا يجب أن تملكه زمامها، وإن لها تاريخا يجب أن تقبس من أنواره ما يهديها طريقها المحفوف بالأشواك والمخاطر، فلنعلمها لغتها ودينها وتاريخها، ولكن ملاك أمرها لزوم وكرها، فإن هذا الطائر الجميل لسريعة إليه سهام الصائدين، وإن المرأة إذا ألفت مفارقة بيتها شق عليها البقاء فيه، فقضت بذلك على رسالتها التي هي تدبير مملكة البيت.
على أني لا أعني بلزوم المرأة للبيت أن تكون فيه قطعة منه لا تنفصل عنه أو كما قال حافظ إبراهيم:
"ليست نساؤكم حلى وجواهرا ... خوف الضياع تصان في الأحقاق"
وإنما أقصد بلزوم البيت أن تهجر بيوت الشيطان لا بيوت الله ولا بيوت العلم، أعني أن لا تذهب إلى السينما أو الأوبرا، فتسمع إلى الشيطان يلتي دروسه على الشابات والشبان ويلهب فيهم الشعور المجنون بالغريزة المجنونة فإن في هذا مصيبتين وشرا مزدوجا، فراغ البيت الذي يجب أن يعمر، وعمارة البيت الذي يجب أن يفرغ.
إن خروج المرأة المسلمة من بيتها متعطرة متأطرة بين غمز العيون واصطدام الصدور وهمس الشفاه، وحيث تلقي الفضيلة والآداب مصرعهما، جريمة تتولد منها جرائم