هذه المخاوف والأوهام، ببيان أن للنفوس آجالا لا تموت قبلها ولا تعيش بعدها، فليس الخوف مؤخرا للأجل إذا حان، ولا الشجاعة بمقدمة الأجل قبل الأوان، وإذا كان الفرار من الموت لا ينجي من الموت، كما قال الله تعالى:{قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ} فمن العجز والحرمان، أن يعيش المؤمن عيش الجبان، يرضى بالذل والهوان، كما قال المتني:
وإذا لم يكن من الموت بد ... فمن العجز أن (تعيش) جبانا
ومن هنا كان المؤمن الكامل الإيمان، القوي الصلة بالله، أشجع الناس قلبا، وأجرأهم على مواجهة قوى الباطل بالمقاومة والتحدي والوقوف في صدر تيار البغي والطغيان لاكتساحه من الطريق، وإخلائه لمواكب التوحيد والإيمان، وفي ذلك صلاح الدين والدنيا، وسعادة الفرد والمجتمع، وفي ذلك يقول أبو بكر الصديق رضي الله عنه:"احرص على الموت توهب لك الحياة" فهؤلاء الجبناء عن نصر دين الله هم أبعد ما يكون عن جني ثمار الحياة، لأنفسهم وللناس، وإذن فهم غير صالحين وغير جديرين بوراثة الأرض التي لا يرثها إلا الصالحون لوراثتها، كما قال تعالى:{أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ}.
أما الشجعان الصرحاء فهم الذين نقوا الأرض من الأشواك، وطهروها من الأرجاس، وجعلوها صالحه للحياة السعيدة والعيش الكريم، هم الذين لا يخافون في الله لومة لائم، ولا يخضعون لسلطة ظالمة ولو ذهبوا ضحية الدفاع عن الحق والقيام بالواجب، فيكونون بذلك بذور الإنسانية الصالحة كما جاء في الإنجيل:(إن حبة القمح التي لا تموت في باطن الأرض لا تحيي الناس على ظهرها، وما يعيبهم أن يموتوا، وإنما يعيبهم أن يعيشوا أذلاء أو راضن بشيوع الشر والفساد من حولهم) وقد ترك لنا سلفنا الصالح نماذج حية في الشجاعة الأدبية، بقي أريجها على مر الدهور، عطر الدهور.
قال عمر بن الخطاب يوما: ما قولكم لو أن أمير المؤمنين شاهد امرأة على معصية؟ فقال علي بن أبي طالب: يأتي بأربعة شهداء أو يجلد جلد القذف، شأنه في ذلك شأن سائر المسلمين.