وبيئة مهلكة، معه راحلته عليها طعامه وشرابه، فوضع رأسه فنام نومة، فاستيقظ وقد ذهبت راحلته فطلبها حتى إذا اشتد عليه الحر والعطش أو ما شاء الله قال: أرجع إلى مكاني الذي كنت فيه فأنام حتى أموت، فوضع رأسه على ساعده ليموت فاستيقظ فإذا راحلته عنده عليها زاده شرابه، فالله أشد فرحا بتوبه العبد المؤمن من هذا براحلته وزاده"
والتوبة مطهر فيجب أن تتجدد كلما تجدد الذنب، فإن تأخرت وجبت التوبة من هذا التأخر الذي يعتبر ذنبا آخر، لأن الذنب إذا ترك بدون توبة، كالوسخ الذي يظهر بالثوب فلا يطهر منه، حتى يكثر ويؤثر في الثوب بالبلى، لأن الذنوب إذا تراكمت على القلب تكون منها غشاء عليه يحول دون إحساسه وتأثره بأدوية القلب، وهو الذي سماه القرآن بالران، في قوله تعالى:{كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}.
ومن هنا يقول الله- عز وجل-: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}.
ومن رحمة الله بنا، أننا نذنب فإذا تبنا، تاب الله علينا، فكأننا لم نذنب، كما قال صلى الله عليه وسلم: "التائب من الذنب كمن لا ذنب له" لأن الله لم يجعل من طباعنا العصمة من الخطيئة لأننا لسنا ملائكة، {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ} وإنما نحن بشر معنا أهواؤنا وضعفنا، بل إنه صلى الله عليه وسلم يقول: "كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون".
وهنا تأتي الثانية من هذه الأربع: وهي الإستغفار للمذنب، فإن الأخوة الدينية تقتضيك أن ترحم أخاك المريض كما تفرح بأخيك الصحيح، والمذنب هو أخوك المريض الذي ضعف عن مقاومة هواه، فإن هذا أحق بأن يهمك وأحرى بأن تعني به، وإن أقل ما تستوجبه رحمتك بأخيك المذنب أن تستغفر له، كما أن أقل ما تستوجبه رحمتك بأخيك المريض أن تدعو له، وإذا كانت التوبة مطهرا، فإن الاستغفار - كذلك- طلبك من الله تطهير من عجز عن تطهر نفسه، وإن الله قد أباح لنا أن نستغفر لإخواننا، بل إن الإسلام يعتبر الإستغفار عبادة، إذ ليس الإستغفار إلا دعاء، والدعاء مخ العبادة، كما في الحديث، ومن صفات كماله تعالى، أنه غفار يغفر كل ما دون الإشراك به، كما قال:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}، ولكن حذار ثم حذار من الاقتصار - على الاستغفار، بل تجب مضاعفة الجهد