في إنقاذ الغرقى، غرقى الذنوب والآثام، وإخراجهم إلى ساحل الحياة، بالمواظبة على الإرشاد والتذكير، والإنذار والتبشير.
وهنا تأتي الثالثة من هذه الأربع: وهي دعوة المدبر أن يقبل والمتخلف أن يلحق والمسيء أن يحسن، وهذا أهم جانب في الموضوع، فإن المسلم جنده الله للدعوة وجعلها مناط شرفه ومعقد عزه بمجرد انتسابه إلى هذه الأمة إذ قال:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} فهو لم يقرن بالدعوة غير الإيمان فالدعوة إلى الله والإيمان بالله، شرطان أساسيان لبقاء هذه الأمة خير أمة أخرجت للناس كما أراد لها الله، وشيئان متلازمان للجندية إلإسلامية الحازمة القوية، ومن هنا نعلم أنه ما أدبر المدبر وتخلف السابق وأساء المحسن وسادت الفوضى في المجتمع الإسلامي، إلا بسبب ما أصاب هذا الجانب الأهم جانب الدعوة الرشيدة الحازمة من ضعف وفتور، بل من موت ودثور، فيجب- إذن- أن نضاعف الجهود لتقوية هذا الجانب وتجهيزه بكل ما يلزم له من أدوات ليقبل المدبر، ويلحق المتخلف، ويحسن المسيء، ويجتمع شمل المجتمع المبدد ويتلاقي قطيعه المشرد، ثم هذا الجانب، فأقبل المدبر ولحق المتخلف وأحسن المسيء، وجب الاحتياط لهذا المطيع والسهر على حفظه ورعايته، حتى لا يشرد مرة أخرى، وهو المراد من الصفة الرابعة والأخيرة لخيار عباد الله، فليس من الحكمة أن تجهد، وتنصب مما تنصب للعثور على ضالتك حتى إذا عثرت عليها وأظفرك الله بها، فرطت فيها وتركتها للضياع مرة أخرى.
وهكذا خيار عباد الله يقضون أعمارهم في نفع عباد الله، ليفوزوا بالكنز الذي لا يفنى وهو محبة الله الموعود بها في قوله عليه الصلاة والسلام-: "الخلق عيال الله فأحبهم إليه أنفعهم لعياله".
فكن- أيها المسلم- نفاعا إنسانيا، ولا تكن إنتفاعا أنانيا، فليس أسمى من رسالة النفع العام، التي جاء بها الإسلام، ولا أحط دركة من الإنتفاعيين الأنانيين الذين لا يحسون إلا بوجودهم، ولا يعملون إلا لحسابهم.