وقد أدرك موسى- قبل محمد صلى الله عليه وسلم - عظم التبعة التي ألقيت عليه وخطورة المهمة التي كلف بها، فسأل ربه أن يعينه عليها وييسرها له بانشراح الصدر، وأتساع أفق النفس:{قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي .. } وإنها لدعوة شاملة تتجة كلها في خط واحد: إلى ما يعين على القيام بهذا العبء الباهض: قوة جنان، وفصاحه لسان، ومستشار ناصح من الإخوان، إن هذه الأدوات ما اجتمعت لدعوة من الدعوات، إلا كان النصر حليفها، والفوز أليفها، وحبات القلوب تنجذب إليها.
وقد استجاب الله لكليمة دعوته، وآتاه بغيته، يشهد لذلك الواقع التاريخي الذي لا يكذب، إذ أظهره الله على ذلك الطاغية الجبار الذي لم يعرف مثله تاريخ البشرية الطويل، وهو فرعون الذي لم يجد ما يرضي طموحه، ويشبع غروره، إلا أن يرتفع فوق مستوى البشرية ويدعي الربوبية ويقول:{أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى}، بل لا يرضيه إلا أن ينفي الربوبية عن غيره ويدعي انفراده بها ويقول:{مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي}، كبرت كلمة، وعظمت فرية.
كما يدلنا منطق الآية الصريح إذ يقول- بعد الآية المتقدمة-: {قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى}.
إذن هذا هو السلاح، إنه الصبر في دنيا الكفاح، إنه سعة الصدر، ورباطة الجأش، وثبات القدم، إنه قوة الإيمان، ونصاعة البيان، وفصاحة اللسان، وهذا ما يريد الإسلام، أن يسلحنا به من إيراد قصة موسى عليه السلام، وهو ما تقوم عليه دعوة جمعية العلماء، بهذه الديار.
إن دعوة جمعية العلماء- سدد الله خطاها- تقوم على تكوين مجتمع إسلامي أصيل يتسلح أفراده بالعقيدة الصحيحة، والخلق النبيل، وتترابط أجزاؤه بالتضامن والتشاور، وتتعامل أسره وطبقاته، بالحب والتآخي، وحسن الجوار، وبذلك تصبح الأمة وحدة قوية متماسكة، تصمد لعوادي الزمان، ونبوات الظلم والطغيان، فموسى لم يتغلب على فرعون بقوة جند أو سلاح، وإنما تغلب عليه بمثل هذا السلاح.