الحرص، وهو الذي يجعل الحرص على الحياة، أبعد مدى وأطول عمرا من الحياة، "خط رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأرض خطين، أحدهما أبعد من الآخر، وقال: هنا الأمل- وأشار إلى الخط الأقرب- ثم قال: وهنا الأمل- وأشار إلى الخط الأبعد-"، أي أن الإنسان يؤمل أبعد مما يعمر، وإذا طغى طول الأمل بصاحبه إلى هذا الحد، ران على قلبه، وأعماه، وأنساه أخراه، وجعل إلاهه هواه، وذلك هو الأمل الذي يعصف برؤوس الذين لا يؤمنون بالله، في قوله تعالى:{ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ}، وليس من ذلك الضروري من الأمل الذي يبعث على صالح العمل، ولا الحرص الممدوح الذي هو الطموح إلى معالي الأمور، فإن النبي صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن الله يحب معالي الأمور، ويكره سفسافها}.
فلولا هذا الطموح، لما كان سعي إلى خير، ولا تنافس في فضل، ولا تسابق إلى كمال، ولغدت الحياة صحراء جرداء خرابا يبابا.
فخير- إذن- من الحرص وطول الأمل، الطموح إلى معالي الأمور، والسعي الموفور في ميادين العمل.