من عنده ويطمع أن نصدقه؟ اللهم لا سبحانك، هذا بهتان عظيم، إنما ذلكم الشيطان يستعمل أعوانه ويستعمل {سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ} وإنها الغباوة تفرض على أصحابها الشقاوة، والبلادة، تحرم أهلها السعادة، وإلا فكيف عدم (صاب الرسالة) كل حيلة لكسب قوته، غير الكذب على رسول الله، الذي يقول- في الحديث الذي أتفق أئمة الحديث على أنه أصح حديث-: "من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" على أن هذه النغمة ليست جديدة على أسماع الناس، فلربما كانت أكبر من عمر (الشيخ أحمد) فإن هذه الفرية لقدمها قد تكون متوارثة، لأنها جربت فصادفت عند بعض العامة تربة صالحة، وإنما راجت بصفة مدهشة، في هذه الفترة الحاسمة من حياة هذه الأمة، لغرض آخر جديد غير غرض (الشيخ أحمد) وأكبر منه، غرض تعين على فهمه وتفسيره الحالة الحاضرة، لعله يراد به صرف تفكير الأمة عما يسبب القلق لمستغليها وتخدير شعورها، فتخلد إلى الدعة، والسكون، وذلك ما لا يكون. كما أن هذه الآية الكريمة تقطع حجة الذين يرون أن الإسلام أصبح بحاجة أكيدة إلى أن تلحق به أشياء كثيره وتضاف إليه مسائل جديدة اقتضتها حالة العصر وأوضاعه الحديثة، فنقول لهم- على ضوء هذه الآية-: إن الإسلام غني عن كل زيادة، بريء من كل نقص، ولو كان يحتاج إلى زيادة أو بقي على شيء من النقص، لتكفل الله بتلك الزيادة ولسد ذلك النقص خصوصا وهو الدين الذي جعله الله خاتمة الأديان، وجعله صالحا لكل جيل ولكل زمان، فكيف يترك الباب مفتوحا لهؤلاء المتطفلين المتفلسفين.
ولكن الله أغلق الباب في وجه كل متطفل متفلسف، قوله:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}، والكلمات:(أكملت)، (أتممت)، (رضيت) في الآية، تنطق كلها بالعناية البالغة بهذا الدين وبهذه الأمة.
إن هذه الآية براعة الاختتام لهذا السفر الخالد، وتاج المجد لهذه الأمة التي أودع الله بذور حياتها فيه، فمهما تتأخر عن ركب الحياة، ومهما تفقد من وسائل الحياة، فإنها لابد ستتقدم الركب وتأخذ بالزمام، لأن القرآن الذي تكفل الله بحفظه، وأناط به حياتها مازال محفوظا في الصدور، منذ قال الله:{إنا نحن نزلنا الذكر}