مرقة، فلما دفعت إليه قال: اجلس، فجلست فى أدانى الناس، فإذا طعام فيه خشونة وغلظ، طعامى الذى معى أطيب منه، فلما فرغ الناس قال: يا يرفاء، ارتفع قصاعك، ثم أدبر واتبعته، فدخل داره ثم دخل حجرته، فاستأذنت وسلمت، فأذن لى، فإذا هو جالس على مسح متكئ على وسادتين من أدم محشوتين ليفا، فنبذ إلىّ إحداهما، فجلست عليها، فقال: يا أم كلثوم، غداءنا، فجاؤا إليه بقصعة فيها خبز وزيت فى عرضها ملح لم يدق، فقال لى: كل، فأكلت قليلا، وأكل حتى فرغ، ما رأيت رجلا أحسن أكلا منه، ما يتليس طعامه بيده ولا فمه، ثم قال: اسقونا، فجاؤا بغس، فقال: اشرب، فشربت قليلا، شرابى الذى معى أطيب منه، فأخذه فشربه حتى قرع القدح جبهته، وقال: إنك لضعيف الأكل والشرب، ثم قال: الحمد لله الذى أطعمنا فأشبعنا، وسقانا فأروانا.
قال: قلت: قد أكل أمير المؤمنين فشبع، وشرب فروى، حاجتى يا أمير المؤمنين، قال:
وما حاجتك؟ قلت: أنا رسول سلمة بن قيس، فقال: مرحبا بسلمة وبرسوله، وكأنما خرجت من صلبه، قال: حدثنى عن المهاجرين، كيف هم؟ قلت: كما تحب من السلامة والظفر على العدو، قال: كيف أسعارهم؟ قلت: أرخص أسعار، قال: كيف اللحم فيهم؟ فإنه شجرة العرب ولا تصلح العرب إلا بشجرتها، قلت: البقرة بكذا، والشاة بكذا، ثم قلت: يا أمير المؤمنين، سرنا حتى لقينا عدونا من المشركين، فدعوناهم إلى ما أمرتنا به من الإسلام فأبوا، فدعوناهم إلى الخراج فأبوا، فقاتلناهم فنصرنا الله عليهم، فقتلنا المقاتلة وسبينا الذرية، وجمعنا الرثة، وخرج له عن الحديث كله حتى انتهى إلى السقط وأخرجه إليه.
قال: فلما نظر إلى تلك الفصوص من بين أحمر وأصفر وأخضر، وثب وجعل يديه فى خاصرتيه، وقال: لا أشبع الله إذا بطن عمر! وظن النساء أنى قد اغتلته، فكشفن الستر، فقال: يا يرفاء، جأ عنقه، فوجأ عنقى وأنا أصيح، فقال: النجاء، وأظنك ستبطئ، أما والذى لا إله غيره لئن تفرق الناس إلى مشاتيهم قبل أن يقسم هذا فيهم لأفعلن بك وبصاحبك فاقرة، قلت: يا أمير المؤمنين، ابدع بى فاحملنى، قال: يا برفاء، اعطه راحلتين من الصدقة، فإذا لقيت أفقر إليهما منك فادفعهما إليه، قلت: نعم، وارتحلت حتى أتيت سلمة، فقلت: ما بارك الله لى فيما اختصصتنى به، اقسم هذا فى الناس قبل أن أفضح والله وتفضح. قال: فقسمه فيهم قبل التفرق إلى مشاتيهم، والفص يباع بخمسة دراهم وستة دراهم، وهو خير من عشرين ألفا.