للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعن غير ابن إسحاق وهو عندنا بالإسناد من طرق، أن أم معبد هذه امرأة من بنى كعب من خزاعة، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج من مكة مهاجرا إلى المدينة هو وأبو بكر ومولاة عامر بن فهيرة ودليلهما الليثى عبد الله بن الأريقط مروا على خيمتى أم معبد الخزاعية «١» وكانت امرأة برزة جلدة تحتبى بفناء القبة ثم تسقى وتطعم، فسألوها لحما وتمرا ليشتروه منها فلم يصيبوا عندها شيئا من ذلك، وكان القوم مرملين مسنتين، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شاة فى كسر الخمية فقال: «ما هذه الشاة يا أم معبد؟» قالت:

شاة خلفها الجهد عن المغنم. قال: «هل بها من لبن؟» قالت: هى أجهد من ذلك. قال:

«أتأذنين أن أحلبها؟» قالت: نعم، بأبى أنت وأمى إن رأيت بها حلبا فاحلبها، فدعا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح بيده ضرعها وسمى الله ودعا لها فى شاتها فتفاجت عليه ودرت واجترت، ودعا بإناء يربض الرهط فحلب فيه ثجا حتى علاه البهاء، ثم سقاها حتى رويت وسقى أصحابه حتى رووا وشرب آخرهم، ثم أراضوا، ثم حلب فيه ثانيا بعد بدء حتى ملأ الإناء، ثم غادره عندها وبايعها وارتحلوا عنها.

فقل ما لبثت حتى جاء زوجها أبو معبد «٢» يسوق أعنزا عجافا يتساوكن هزلا ضخامهن قليل، فلما رأى أبو معبد اللبن عجب وقال: من أين لك هذا اللبن يا أم معبد؛ والشاء عازب حيال ولا حلوب فى البيت؟ قالت: لا والله، إلا أنه مر بنا رجل مبارك من حاله كذا وكذا. قال: صفيه لى يا أم معبد: قالت: رأيت رجلا ظاهر الوضاءة أبلج الوجه حسن الخلق لم يعبه ثجلة ولم تزر به صعلة وسيم قسيم فى عينيه دعج وفى وعج وفى أشفاره غطف وفى عنقه سطع وفى صوته صحل وفى لحيته كثافة، أزج أقرن إن صمت فعليه الوقار وإن تكلم سما وعلاه البهاء، أجمل وأبهاه من بعيد وأحسنه وأجمله من قريب، حلو المنطق فصل لا نزر ولا هذر كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن، ربعة لا يائس من طول ولا تقتحمه عين من قصر، غصن بين غصنين فهو أنضر الثلاثة منظرا وأحسنهم قدرا، له رفقاء يحفون به إن قال أنصتوا لقوله وإن أمر تبادروا لأمره محفود محشود لا عابس ولا مفند.


(١) هى: عاتكة بنت خالد بن منقذ بن ربيعة، أم معبد الخزاعية، ويقال: عاتكة بنت خالد بن مهاجرا. انظر ترجمتها فى: الاستيعاب الترجمة رقم (٣٤٥٧) ، الإصابة الترجمة رقم (١١٤٥١) ، أسد الغابة الترجمة رقم (٧٠٨٦) .
(٢) انظر ترجمته فى: الاستيعاب الترجمة رقم (٣٢٠٩) ، الإصابة الترجمة رقم (١٠٥٥١) ، أسد الغابة الترجمة رقم (٦٢٦٢) .