لم تبق اليوم في مثل كمالها الأول، وجمالها الأسنى؛ فإن آثارها لا تبرح باقية تلمع، والمسلمون يقتفون تلك الآثار إلى يومنا هذا. وقد علمنا أنّ حياة محمد صلّى الله عليه وسلم كانت في بادىء الأمر قدوة لجميع الصحابة في حياتهم، فكانوا يهتدون بهديه، ويستنّون بسنّته، ثم كان لسائر المسلمين أسوة حسنة بها يتخذونها مثالا كاملا لهم، ولا تنفكّ صورتها معروفة لهم، باقية فيهم.
ولو أنّ قبيلة من وثنيي الهند، أو إفريقية تنصّرت، ودخلت في دين المسيح عليه السلام فإنّها تأخذ مسيحيتها من الأناجيل، أما مدنيتها، ومنهاج حياتها في مظاهرها، وأوضاعها؛ فإن تلك القبيلة تأخذه عن مدنية أوربا وثقافتها ومنهاج حياتها، وليس ذلك من المسيحية في شيء. أمّا الإسلام فإذا دخل في هدايته قوم جدد لم يكونوا مسلمين من قبل، فإنهم كما يقتبسون دينهم مما كان يدعو إليه النبي صلّى الله عليه وسلم، فإنّهم من هديه ومن سنته أيضا يتعلمون آداب المعاشرة، ومنهاج الحياة الاجتماعية، وطرق المعيشة.
وإنّ تعاليم الرسول صلّى الله عليه وسلم- من أدب، وخلق، ومعاشرة- هي التي تؤثر في أخلاق المسلمين، فتصاغ في هذه البوتقة حتى تسبك بها في أزكى قالب.
وقد قال يهوديّ مرّة لأحد الصحابة وهو يعرّض بالإسلام: إنّ رسولكم يعلمكم كلّ شيء، حتى بعض الأمور الحقيرة، فأجابه الصحابي وهو مغتبط: نعم، إن رسولنا يعلمنا كل شيء، حتى آداب الخروج إلى الخلاء.
وكذلك نحن لا نزال نقدّم للناس تلك السيرة الكاملة التي هي لنا سراج وهّاج في جميع شؤون الحياة البشرية، فكأنّ السيرة المحمّدية مرآة صافية للدّنيا كلّها يرى فيها كلّ إنسان صورته وروحه، ظاهره وباطنه، قوله وعلمه، خلقه وأدبه، هديه وسنته، وفي استطاعته أن يصلح أخلاقه، ويثقف عوجه بحسب ما يراه في تلك المرآة الصّافية.
[المسلمون لا يحتاجون من خارج دينهم إلى أصول وضوابط:]
لأجل ذلك لا ترى أمّة مسلمة تبحث- في خارج دينها وبمنأى عن سيرة نبيّها- عن أصول وضوابط تقوّم بها اعوجاجها، وتثقف منادها، وتصلح زيغها، لأنها في غنى عمّا هو أجنبيّ عنها، وعندها في هدي سيرة نبيها صلّى الله عليه وسلم