للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الله جميعا من الشكر العظيم على كلّ فرد من أفراد البشر مهما كانت الطائفة التي تنتسب إليها، وهذا الشكر هو الذي نعبّر عنه نحن المسلمين بالصّلاة عليهم والتسليم لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ [البقرة: ٢٨٥] ونجهر بذلك، ونعلنه كلّما سمي الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

إنّ الهداية والدّعوة لا تثمر ولا تبقى إلا بالقدوة والأسوة:

أيها السادة: إنّ هؤلاء الأنبياء بعثوا في أعصار خاصّة، فبلّغوا رسالات الله، ثم مضوا، ولا بقاء لشيء في هذه الدّنيا الفانية، وإن سيرهم مهما تكن طاهرة مقدّسة فإنه لم يتح لها البقاء والدّوام؛ لأنّ يد الأيام قد عبثت بها كما تعبث بكل جديد فتحيله قديما، ثم تجعله رمادا تذروه الرياح. ومن المعلوم أنّ الذي يبقى لمن يأتي بعدهم من بني آدم هو المكتوب فيه سيرهم وهداهم، وهو الذي يصف حياتهم، ويمثّل أخلاقهم، والكتابة هي التي تحصي الأعمال، والأخلاق، وتعصمها من أيدي البلى، ولولاها لم تصل إلينا علوم القرون الخالية، وحكمتها، وفنون الأمم الماضية، وأفكارها، وشؤون الأقوام السّالفة وأخبارها، وما التاريخ إلا سير الرجال وشؤون الحياة الإنسانية ممّا حفظته الكتابة، وصانته من يد الضياع. وإنّ لحياة الإنسان نواحي شتّى، ومن المحتمل أن يعتبر الإنسان- في ناحية من نواحي حياته- بكلّ حادثة حدثت فيما مضى، لكنّ حياة الإنسان الخلقية والروحانية لا تكمل كمالها، ولا تبلغ مرادها، ولا تزكو زكاءها إلا بسنن الأنبياء، وهداهم، واقتفاء آثارهم، والتخلّق بأخلاقهم، ولن يذهب ظمأ الإنسانية فتروي غلّتها إلا بمنهل من سلسبيل هؤلاء الرسل، ولا يرجى خير العالم وصلاحه إلا إذا عمل أهله الأعمال التي هدى إليها الأنبياء، ودعوا إليها وحضّوا عليها؛ لأجل ذلك كان أهمّ الفرائض على أبناء الإنسانية حفظ سيرهم، وإحصاء أخلاقهم، لتبلغ مبلغ الكمال وتزكو زكاءها.

إنّ نظرية مهما تبلغ من الصحّة، ودقّة الفكر، وإنّ تعليما مهما يكن رائقا، ويقع من الناس موقع الإعجاب، وإنّ هداية مهما تجمع من صنوف الخير، كلّ أولئك لا يغني غناء، ولا يثمر ثمرة، ولا يبقى على الدّهر إلا

<<  <   >  >>