أن لقيناه مرّة أخرى وهو يرتعش من الكبر، وقد أدركه الهرم، وبلغ من العمر عشرين ومئة سنة. وهل يغنينا ذكر ما يتعلق بحياته الخاصّة مما يمرّ بكلّ إنسان في حياته وبيئته العادية؟ إنّ الأمور التي كان يحتاج البشر إلى معرفتها من حياة موسى الاجتماعية هي: الأخلاق، والعادات، والهدي، وكلّ ذلك لا نجده في سيرته. أما ذكر أسماء الرجال، وأنسابهم، وأماكنهم، وبلادهم، وعددهم، فممّا لا يهمّنا علمه في مقام القدوة والأسوة والهداية، مع أنه هو الذي نراه مفصلا في التوراة. وكذلك نرى فيها شيئا كثيرا من القوانين، والمبادئ، والأصول، لكن هذه الأمور والتي سبقتها مهما تكن أهميتها عند علماء الجغرافيا، والأنساب، والحقوق فإنّها لا تعنينا نحن من جهة الأسوة والقدوة في الحياة، ولا تسدّ الخلل الواقع في سيرة موسى عليه السلام من هذه النّاحية؛ التي لا يكمل بيانها إلّا بذكر أخلاقه، وشؤون حياته، وأحواله في معاشرته، وهو ما لا بدّ منه ليتخذه البشر مثالا يعمل به.
[شؤون حياة المسيح أخفى من غيره وأغمض:]
ومن أقرب الأنبياء عهدا بالإسلام عيسى عليه السلام الذي يزيد عدد المنتسبين إليه بحسب إحصاآت الأوربيين على عدد المنتسبين إلى الدّيانات الآخرى، وإنّ المرء ليستغرب حين يعلم أنّ شؤون حياته وأحوال معيشته أخفى من غيره، وأغمض، وقد أسدل الزمان عليها حجابا أكثف مما نراه في حياة العظماء الآخرين من الرسل الذين يعدّون من أصحاب الأديان المشهورة. وإنّ أوربا المسيحية قد حملها حافز البحث والكشف على أن تستثير بطون الصّحارى، وقلل الجبال، وأطراف الصّخور والأطلال الدارسة، ومظانّ الآثار، ومجالات الحوادث التي مرّت عليها الأحقاب الطويلة، فكتب المستشرقون التاريخ القديم لبابل، وأشور، والعرب، والشام، ومصر، وإفريقية، والهند، وتركستان، وأخذوا يلائمون بين الحوادث القديمة المجهولة الزّمن، ويعرضونها على الناس واضحة، نقيّة، منسّقة، مرتبطا بعضها ببعض، وطفقوا يعثرون على الصّفحات المفقودة من كتاب التاريخ القديم للبشر، إلا أنهم قد أعياهم البحث