والأمم السّامية بعث فيها مئات من الرّسل، لكن التاريخ لم يحفظ لنا عنهم إلا أسماء بعضهم، ولا نعلم عن هؤلاء الرسل- من نوح، وإبراهيم، وهود، وصالح، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، وزكريا، ويحيى عليهم السلام- إلا بعض سيرهم، وقليلا من صفحات حياتهم، والذي نعلمه من ذلك لا يكاد يروي غلّة أو يشفي علّة. وحياة العظماء لها نواح وأطراف، وتتخلّلها شعاب وعقبات في أطوار وأدوار. ومادام الذي غاب عن علمنا من ذلك أكثر بكثير من الذي عرفناه، فكيف يتسنّى لمن شاء أن يتّخذ من سيرتهم أسوة كاملة لحياته في جميع أطوارها، وهو لم يبلغه من سيرهم إلا قليل؟
شكوك العلماء المحقّقين في كثير من سير أنبياء بني إسرائيل:
إن أسفار اليهود التي تضمنت سير هؤلاء الأنبياء قد خالج المحققين من العلماء ضروب من الشكّ في كلّ سفر من هذه الأسفار، على أننا إذا ضربنا صفحا عن هذه الشكوك نرى سير هؤلاء النبيين في تلك الأسفار ناقصة، مثال ذلك أحوال موسى المذكورة في أسفار التوراة، إنّ مؤلفي «دائرة المعارف البريطانية» أنفسهم توصلوا إلى تحقيق أنّ هذه الأسفار دونت، وجمعت بعد موسى عليه السلام بقرون كثيرة، زد على ذلك أنّ التوراة الموجودة فيها لكلّ حادثة روايتان مختلفتان، وحكايتان متباينتان، كما حقّق ذلك بعض علماء الألمان، وربما دفع بعض هذه الروايات بعضا فتعارضت أولاها بأخراها، ونحن نواجه الوصف المتعارض في سير الرجال والحوادث جميعا، ومن أراد أن يزداد علما بهذا الموضوع فليراجع مادة (بايبل) في الطبعة الأخيرة من دائرة المعارف البريطانية «١» ، وإذا كان الأمر كذلك فبأيّ منزلة من التاريخ ننزل حوادث العالم من آدم إلى موسى عليهما السلام؟ وكيف نقدّر قدر التاريخ الصّحيح الثابت في هذه الأمور.