للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لمالك بن أنس، وأول كتاب في السيرة كتاب المغازي لابن إسحاق «١» ، وهذان الإمامان الجليلان كانا متعاصرين، وتوفي الأول سنة ١٧٩ هـ والثاني سنة ١٥١ هـ، فاعتبروا العقود الأولى من القرن الثاني بداية تدوين الأخبار والسير، والأمر ليس كذلك، فإن بواكير التدوين ابتدأت قبل ذلك بكثير، وقد كان أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز المتوفى سنة ١٠١ هـ عالما جليلا ولي إمارة المدينة، ثم استخلف سنة ٩٩ هـ، وقد عهد إلى القاضي أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم «٢» - الذي كان إماما في الحديث والخبر- أن يبدأ في تدوين سنن النبي صلّى الله عليه وسلم وأخباره؛ لأنه خاف على العلم أن يرفع شيئا فشيئا وخاف درس العلم وعفاءه «٣» ، وقد ذكر هذا في تعليقات البخاري والموطأ لمالك والمسند للدّارمي. فقام بذلك أبو بكر بن حزم، وكتبت الأحاديث والأخبار والسنن في القراطيس، وأرسلت إلى دار الخلافة بدمشق، ونسخت في الصّحف والكتب، وبعث بها إلى البلاد الإسلامية، وكبريات المدن يومئذ. فأبو بكر هذا الذي علمتم مكانته من العلم والفضل وكان قاضيا بالمدينة المنورة، هو الذي اختاره عمر بن عبد العزيز لهذا العمل الجليل، لعلمه، وفضله، ولأنّ خالته عمرة كانت من كبريات تلاميذ أمّ المؤمنين عائشة، وكان ما روته خالته عمرة عن أمّ المؤمنين عائشة محفوظا عنده، فأوعز إليه عمر بن عبد العزيز بتدوين مرويات خالته، وقد اختصّها بالذكر في كتابه إليه.

كتابة الحديث في العهد النّبوي:

وإنّي لا أعدو الحقّ إذا قلت: إنّ كتابة الحديث، والسنن، والأخبار،


(١) «مختصر جامع بيان العلم» للحافظ ابن عبد البر ص ١٣٨، طبع مصر.
(٢) هو قاضي المدينة، وأميرها. كان أعلم أهل المدينة بالقضاء، وله خبرة بالسّير. توفي سنة (١٢٠ هـ) عن نيّف وثمانين سنة. شذرات الذهب (٢/ ٩٠) والعبر؛ للذهبي (١/ ١٥٢) .
(٣) نصّ رسالة أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز الموجهة إلى القاضي أبي بكر بن محمد بن حزم: «انظر ما كان من حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلم، أو سنة ماضية، أو حديث عمرة فاكتبه فإني خشيت دروس العلم، وذهاب أهله» (ابن سعد ٨: ٣٥٣) ، والتاريخ الصغير للبخاري (١٠٥) وسنن الدارمي (١: ١٢٦) .

<<  <   >  >>