التي يراد بها وجه الله، والفوز في الآجلة؛ إنّما هي من صميم الدّين، ومن الدّين أن يقوم الناس بأمور الدّنيا من تجارة، وزراعة، وصناعة، وحرفة، وخدمة بالطريقة السليمة التي هدى إليها الدين، وأرشدت إليها تعاليمه، ومن أعظم الخطأ أن يحسب الناس أنّ الدين منحصر في العبادة من صلاة وصوم، وفي الفرار من الناس واعتزالهم في مغارة، أو جبل للعبادة، بزعم أنّ اشتغال المرء بأمور نفسه وشؤون أولاده وعياله، والمشاركة في مصالح أمته، وبلاده، وأحبابه، وخلانه هو من أمور الدّنيا، لا من أمور الدين، كلّا، بل إنّ هذه العقيدة قد أعلن رسول الإسلام صلّى الله عليه وسلم فسادها، وأبدى عوارها بدعوته، وبلاغه من جهة، وبحياته المثلى من جهة أخرى، وقد بيّن بقوله وعمله أنّ أمور الدّنيا التي تؤدّى بالطريق الذي هدى إليه الدين تعدّ من الدّين، ويثيب الله عليها كما يثيب على العبادات وغيرها ممّا هو من صميم الدّين.
الإسلام إيمان بالحقّ وعمل به:
ألا إن ملاك النجاة للإنسان في الإسلام الإيمان، والعمل الصالح. أما الإيمان فهو الإيقان بالله وحده، والإيقان بأنّ رسله إنّما بعثوا لهداية البشر ودلالتهم على طريق الله، والإيقان بالملائكة الذين هم رسل الله بينه وبين من أرسل إليهم من البشر، وبالكتب التي أنزلت على الرسل، وفيها أحكام الله من الأوامر، والنواهي، والإيقان بأنّ الله يحاسب الإنسان على أعماله، ويجزيه خيرا عمّا يعمله من خير، أو شرّا عما يصدر عنه من شرّ، فهذه الخمسة هي أساس الإيمان وملاكه، والإيمان أساس العمل، ومن لا إيمان له لا ينتظر منه الخلاص فيما يصدر عنه من عمل.
والمراد بالعمل أن تكون تصرفات الإنسان صالحة، وللأعمال ثلاثة ضروب كما ذكرت في المحاضرة السابقة من هذا الكتاب «١» : الضرب الأول: (العبادات) ، وهي عبارة عن تعظيم الإنسان لإلهه الذي خلقه، وعن خشوعه له وخضوعه لأوامره وإظهار افتقاره له. الضرب الثاني:
(المعاملات) وهي ما يتعاطاه الناس فيما بينهم لتبادل مصالحهم،