سادتي! إنّ الإنسان وقد اعتزّ بالخلافة الإلهية على الأرض، وارتشف كأس المحبّة لله وحده، هل يعقل أن يسجد بعد ذلك لغير الله، وهل يخامر قلب المؤمن بالله أيّ خوف من الظلمة، أو النور، ومن المياه، والرياح.
وهل يخشى ملكا عظيما، أو يوجس في نفسه خيفة من صحارى واسعة، أو جبال شامخة، أو أرض رحبة، أو بحار زاخرة، حتى يسجد لها، أو يدعو لها خوفا، أو طمعا، إنّ المؤمن لا يخشى إلا الله، ولا يبالي بغير الله، ولا يطمع في ثراء ثريّ، ولا يرجو غني إلا من الله الغنيّ عن كل شيء.
انظروا إلى تعاليم الإسلام كيف بلغت بالإنسان ذروة الشرف، وسنام المجد. وتأمّلوا كيف رفعت الرسالة المحمّدية المستوى البشريّ، ووجّهت المجتمع الإنسانيّ نحو الحق والخير.
[فطرة الإنسان في الإسلام بريئة في الأصل ولم يولد آثما:]
وأمر آخر، وهو أنّ الرسالة المحمدية أذّنت في البشر أنّ الإنسان نزّاع إلى الخير، وأنّ فطرته بريئة في الأصل، ثم تطرأ عليها أعماله، فتجعله آثما مذنبا، أو تقيّا صالحا، فسيئاته التي يقترفها هي التي تؤثّر فيه، فتجعله شيطانا مريدا، كما أنّ حسناته التي تصدر عنه هي التي تجلو نفسه، وتهذّبها، فيكون بها ملاكا طاهرا، إنّ هذه لبشرى عظيمة هتف بها محمّد صلّى الله عليه وسلم رسول الإسلام في بني آدم، بعد أن كانت الأديان المنتشرة في الهند، والصين من سالف الأيام تنشر الإيمان بالتناسخ وبعث الأرواح- بعد موت أصحابها- في أجساد أخرى أرفع منزلة مما قبلها إذا عملوا أعمالا صالحة، أو في أجساد أذلّ وأحقر ممّا كانت فيه من قبل إذا اجترحوا السيئات، وقد ذهب إلى هذا التناسخ بعض النوكى ممن ينتمون إلى حكماء الإغريق، وجرّ هذا الاعتقاد الفاسد وبالا عظيما على معتقديه، فأصبحت حياته حياة إكراه وإجبار، ولا اختيار له فيما يعمل، فكأنه آلة صغيرة تحرّكها آلة كبيرة، وأنّه ولد مذنبا، بل ولادته في الدنيا نذير له بأنه مجرم آثم.
وجاءت المسيحية فثبتت في الناس عقيدة: أنّ كلّ مولود يحمل من ساعة ولادته خطيئة أبيه الأول آدم، فالمولود يولد آثما مخطئا وإن لم يخطىء في