المهن، والأجناس، والمراتب الاجتماعية؛ لأنهم لا يتفاضلون بالثراء، ولا يتفاوتون في الآباء، واختلاف المحتد، وليس في الإسلام نظام طبقات كما بين البراهمة والشودر (المنبوذين) ، فلكلّ مسلم أن يتلو كتاب الله، وأن يؤمّ الناس في الصلاة، من أيّ بيت كان، ومن أيّ قوم كان. والتزاوج مطلق بين طوائف المسلمين وأجناسهم، وباب العلم مفتوح لكل داخل، بل هو نهب مقسم بين الجميع، والناس سواء في الحقوق، وفي أحكام القصاص: الدم بالدم، والنّفس بالنفس.
إخواني الأعزاء! كان بودّي أن أذكر عن رسالة محمد صلّى الله عليه وسلم كل ما أحسنت به إلى الإنسانيّة، وأن أعدّد أفضالها، ونعمها على جميع طبقات البشر، ولكن وقتنا لم يسمح بذلك، ومثل هذا الموضوع العظيم يحتاج إلى وقت أطول، وأوسع من الوقت الذي تحدّثت إليكم فيه، ممّا كنت أحب أن أبسطه لكم فضل الرسالة المحمّدية على الرقيق والمستعبدين في الأرض من بني البشر، والحقوق الممنوحة لهم في الإسلام، والمستوى الذي رفعهم الإسلام إليه لأول مرّة.
وكنت أحب أن ألمّ بما للرسالة المحمدية من جميل نحو النّساء، وما حفظت من حقوقهن، وما رعت من كرامتهن.
كان بودّي أن أفصّل لكم جميع هذا، وكثيرا غيره تفصيلا تتبيّنوا منه أن أوربا التي تدعي التقدّم الفكريّ لا تزال وراء الإسلام بمسافات طويلة، ولن تضارعه فيما قدّم للإنسانية من رعاية، وما أسدى إليها من حقوق.
من أعظم الجرائم فصل الدين عن الدّنيا:
إن من أعظم الجرائم التي عمّ بها الضّلال وطمّ الدعوة إلى التفريق بين الدّين والدّنيا، حتى صار يقال: هذا من حكم السلطان، وهذا من حكم الرّحمن، وحتى صاروا يميزون بين ما يكسبون به الدّنيا، وما يكسبون به الدّين، وقد أفردوا لكلّ واحد منهما طريقا غير طريق الآخر. والرسالة المحمدية هي التي كشفت الستار عن وجه الحقيقة في ذلك، فأعلنت في أرجاء الدنيا ما بين أمور الدين وأمور الدنيا من التلازم، وأنّ أعمال الدنيا