كيف نتبع الرسول، وفيم نتبعه؟ ذلك ما أتحدّث لكم عنه في السيرة المحمّدية في ناحيتها العمليّة، وذلك ما خلت منه صحائف حياة الأنبياء عليهم السّلام، أما لو نظرتم إلى هذه الناحية في السيرة المحمّدية؛ فستجدون حياة مليئة بالأعمال الجليلة، عامرة بشتّى الأفعال، وهذا الباب من كتاب سيرته صلّى الله عليه وسلم من أوسع الأبواب، وأعظمها، وبه يحكم من شاء أن يحكم: أيّ نبيّ هو خاتم النّبيين، وسيّد المرسلين، أمّا من سبقه من الأنبياء والرسل فلم يصل إلينا من تفاصيل حياتهم ما يكون لنا أسوة فيه، لأنّ الذي عرفناه من ذلك لا يشفي علّة، ولا يروي غلّة، والأحاديث الحلوة، والمواعظ الحسنة، والتعاليم العالية ليست قليلة في الدّنيا، ولكن الذي يعوز الناس هو العمل بها. وهم إذا بحثوا عن العاملين بالمواعظ البليغة، والحكم الرائعة، والأقوال المأثورة، والأمثال السائرة، كانوا كأنّهم يبحثون عن عنقاء مغرب، أو الكبريت الأحمر.
إنّ أخلاق المرء هي المرآة الصافية لسيرته، ومظهر جليّ من مظاهرها، وأيّ كتاب سماويّ غير القرآن يشهد لمن تنزل عليه بأنّه قد تحلّى بالأخلاق الحسنة، والعادات السنيّة، وأنّ صاحب ذلك الكتاب أعلى قدرا، وأرفع مكانة من سائر الناس لما هو عليه من جليل الأعمال، وقويم الأخلاق، أمّا القرآن؛ فقد أذاع بين أعداء الرسول وأوليائه قول الله عز وجل وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ (٣) وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم: ٣- ٤]«١» وإذا كانت إحدى
(١) قال ابن عباس- رضي الله عنه- في تفسير هذه الآية: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ، وهو الإسلام» ، وقال عطية: «لعلى أدب عظيم» ، وعن أنس- رضي الله عنه- قال: خدمت رسول الله صلّى الله عليه وسلم عشر سنين، فما قال لي: أفّ قطّ، ولا قال لشيء فعلته: لم فعلته؟ ولا لشيء لم أفعله: ألا فعلته؟ (متفق عليه) عن تفسير ابن كثير (٤/ ٤٩٣) .