للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سيرة بوذا ليست تاريخيّة:

ودين (بوذا) أقدم الأديان، وأوسعها نطاقا، وأكثرها انتشارا في سالف الأيام، وكان له سلطان على الهند، والصين، وآسيا الوسطى، وأفغانستان، وتركستان، ولا يزال إلى الآن في سيام، والصين، واليابان، وتبت، وإنما تقلص ظله وعفي أثره في الهند على أيدي البراهمة، وزال عن آسيا الوسطى بغلبة الإسلام، لكنّه ما برح موجودا في آسيا القصوى تحت ظلّ دولة قويّة ذات مدنيّة وثقافة ناضرتين، وهي اليابان التي لم تخضع بعد لأجنبيّ، ولم يفتح بلادها فاتح «١» .

ولسائل أن يسأل: هل يقيم التاريخ وزنا لوجود بوذا؟ وهل يقدر مؤرخ على أن يعرض للناس صورة حقيقية لتاريخه؟ وهل يستطيع كاتب أن يصف ظروفه، وأحواله التي كان عليها في حياته وصفا كاملا لا يغادر شيئا من تحديد زمن ميلاده، ووطنه، وأصول دينه، كما دعا هو إليه، ومبادىء دعوته وأهدافها؟ الذي نعلمه أن ذلك كلّه محجوب عن علم الناس بظلمات كثيفة متراكمة، وكلّ ما أمكن للباحثين أنهم حاولوا تعيين زمان وجوده بحوادث راجوات بلاد (مكده) ولم يكن لهم سبيل سوى ذلك، وتسنّى لمؤرخ أن يقارن زمن هؤلاء الراجوات بملوك اليونان الذين كانت بينهم وبين راجوات عدّة روابط.

الذي نعلمه عن كونفوشيوس أقلّ من الّذي نعلمه عن بوذا:

وأما دين الصين فلم نعلم عنه إلا قليلا بطريق الحدس، ولم يصل العلم إلى شيء يقينيّ عنه. و (كونفوشيوس) «٢» صاحب النّحلة المعروفة في الصين نعلم عنه أقل مما نعلم عن بوذا، مع أن المنتسبين لطريقته الدينية يبلغ عددهم مئات الملايين.


(١) ألقيت هذه المحاضرة لما كانت اليابان في أوج سيادتها قبل الحرب العالمية الثانية.
(٢) كونفوشيوس: (٥٥١- ٤٧٩ ق. م) فيلسوف صيني، أسس مذهبا أدبيا يدعو إلى حياة عائلية واجتماعية مثالية.

<<  <   >  >>