للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كان صلّى الله عليه وسلم أول من يعمل بما يأمر الناس به:

هذه شهادات أقرب الناس إليه صلّى الله عليه وسلم ممّن خالطوه، وعاشروه، وعرفوا دخائله، وهي تدلّ على أن سيرته الطاهرة كانت أعلى ما تكون عليه سيرة أفضل البشر، ومن أفضل سيرته وأعلاها أنه بعد ما أوحي إليه لم يأمر أتباعه وأصحابه بأمر إلا وقد سبقهم إلى العمل به، فدعا الناس إلى ذكر الله ومحبته، ولو راقبت حياته نفسها لرأيتها ملائمة لهذه الدّعوة؛ لأنه لم تكن تمضي عليه ساعة من نهار أو ليل إلا وهو يذكر الله بقلبه، ويحمده بلسانه، فكان لسانه رطبا بذكر الله، لا يفتر عنه طرفة عين، فإذا أكل، أو شرب ذكر اسم الله، وإذا فرغ من ذلك حمد الله، وإذا أخذ مضجعه أو استيقظ من نومه ذكر الله، وإذا نهض، أو جلس سبّح الله، أو حمده، وإذا لبس جديدا شكر الله، حتى أن أذكاره ودعواته التي حفظها الناس عنه في مختلف الأحوال شغلت فراغا واسعا من كتب الحديث، وجمعت في كتاب (الحصن الحصين) الذي يبلغ مئتي صفحة، ومن قرأ هذه الأدعية يقضي العجب؛ ويوقن بأنه صلّى الله عليه وسلم كان يحب الله، ويخشاه، ويهاب جلاله، فكان كما وصف الله في القرآن عباده الصّالحين الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ [آل عمران: ١٩١] وكما شهدت عائشة بأنّه صلّى الله عليه وسلم كان يذكر الله، ولا يغافل عن ذكره أبدا.

وأمر الناس بالصلاة، وحضّهم على إقامتها والمحافظة عليها أشدّ المحافظة، فماذا تحسبون الرسول كان يعمل في نفسه بما كان يأمر به غيره؟

إنه صلّى الله عليه وسلم كان يقيم الصلاة، ويحافظ عليها أكثر من غيره، كان المسلمون يقيمون الصلوات المفروضة خمسا. وكان صلّى الله عليه وسلم يتطوّع بالزيادة على ذلك في صلاة الضحى، وصلاة الإشراق، وصلاة التهجّد، وكان عامة المسلمين يصلون سبع عشرة ركعة المكتوبة عليهم، وكان هو صلّى الله عليه وسلم يصلي في اليوم


- ومن أراد الاستزادة من قراءة الشمائل فليراجع «سيدنا محمد رسول الله صلّى الله عليه وسلم، شمائله الحميدة وخصائله المجيدة» للعلامة المحدّث الشيخ عبد الله سراج الدين، وهو من أنفس الكتب الحديثة في الشمائل، طبع مكتبة دار الفلاح، حلب.

<<  <   >  >>