الناس على اليسير من عملهم الطيب، ويأكل ما يقدّم له، ولا يعيبه، وما كان يغضب، أو يقتصّ من أحد لنفسه، بيد أنّه إذا انتهك أحد شيئا من محارم الله؛ لم يقم لغضبه شيء (الشمائل)«١» .
(١) أخرج يعقوب بن سفيان الفسوي الحافظ عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: سألت خالي هند بن أبي هالة- وكان وصّافا عن حلية رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأنا أشتهي أن يصف لي منها شيئا أتعلّق به، فقال: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم فخما مفخما، يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر، أطول من المربوع وأقصر من المشذّب، عظيم الهامة، رجل الشعر، (إن انغرقت عقيقته) فرق، وإلّا فلا، يجاوز شعره شحمة أذنيه (إذا هو وقّره) ، أزهر اللون، واسع الجبين، أزجّ الحواجب، سوابغ في غير قرن، بينهما عرق يدرّه الغضب، أقنى العرنين، له نور يعلوه، يحسبه من لم يتأمّله أشمّ، كثّ اللحية، أدعج، سهل الخدّين، ضليع الفم، أشنب مفلّج الأسنان، دقيق المسربة، كأنّ عنقه جيد دمية في صفاء الفضّة، معتدل الخلق، بادن متماسك، سواء البطن والصّدر، عريض الصّدر، بعيد ما بين المنكبين، ضخم الكراديس، أنور المتجرّد، موصول ما بين اللّبّة والسّرّة بشعر يجري كالخط، عاري الثّديين والبطن ممّا سوى ذلك، أشعر الذّراعين، والمنكبين وأعالي الصّدر، طويل الزّندين، رحب الرّاحة، سبط القصب، شثن الكفّين والقدمين، سابل الأطراف، خمصان الأخمصين، مسيح القدمين، ينبو عنها الماء، إذا زال زال قلعا، يخطو تكفّؤا، ويمشي هونا، ذريع المشية، إذا مشى كأنّما ينحطّ من صبب، وإذا التفت التفت جميعا، خافض الطّرف، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء، جلّ نظره الملاحظة، يسوق أصحابه، ويبدأ من لقيه بالسّلام. قلت: صف لي منطقه. قال: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم متواصل الأحزان، دائم الفكرة، ليست له راحة، لا يتكلّم في غير حاجة، طويل السكوت، يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه، يتكلم بجوامع الكلم، كلامه فصل لا فضول ولا تقصير، دمث، ليس بالجافي ولا المهين، يعظّم النّعمة وإن دقّت، لا يذم منها شيئا ولا يمدحه، ولا يقوم لغضبه- إذا تعرّض للحق- شيء حتى ينتصر له، وفي رواية: لا تغضبه الدنيا وما كان لها، فإذا تعرّض للحق لم يعرفه أحد، ولم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له، لا يغضب لنفسه، ولا ينتصر لها، إذا أشار أشار بكفّه كلّها، وإذا تعجّب قلبها، وإذا تحدّث يصل بها، يضرب براحته اليمنى باطن إبهامه اليسرى، وإذا غضب أعرض، وأشاح، وإذا فرح غضّ طرفه، جلّ ضحكه التبسّم يفترّه عن مثل حبّ الغمام. (حياة الصحابة، للشيخ يوسف الكاندهلوي، ص ٨٦- ٩٢) ، طبع دار ابن كثير بدمشق. -