للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الزّهري: أكتب هذا وكلّ ما يتعلق بأصحاب النبي صلّى الله عليه وسلم، فإنّه من السنة.

فقلت: ليس ذلك من السنة، ولم أكتب ذلك، وكتبه الزهري، ففاز، وخسرت «١» ، وهذا قطرة من بحر. وإن المئتين من التابعين كانوا يكتبون الأحاديث والأخبار، والزّهري واحد منهم، وإنّ ما كتبه الزهري وحده بلغ فيما رواه معمر أنّ الدفاتر من علم الزهري حملت على الدواب بعد قتل الوليد، وكانت في خزانته.

التابعون الّذين دوّنوا الحديث:

ولد الزهريّ سنة ٥٠ للهجرة وتوفي سنة ١٢٤ هـ، وهو قرشيّ نسبا، وقد بذل جهده في جمع الروايات عن سيرة النبي صلّى الله عليه وسلم، وهديه، وأحاديثه حتى لقي في طلب العلم عناء ونصبا، كما يدل عليه قول المؤرخين: إنّه كان يطوف على بيوت الأنصار في المدينة، ويغشى كلّ بيت منها، ويسأل عن أحاديث النبي صلّى الله عليه وسلم، وهديه، وسيرته كلّ من يلقاه من نساء، ورجال، وشيوخ، وشباب، حتى كان يسأل العواتق في خدورهن عن أحوال النبيّ صلّى الله عليه وسلم، وأقواله، ويكتبه «٢» ، وكان لا يزال بعض الصحابة أحياء في حياة الزهري. ثم تلقّى عن الزهري كثير من تلاميذه العلماء، ويبلغ عددهم المئات، ولم يكن لهم شغل إلا جمع الأحاديث، وأقوال الصحابة، وتعليم الأمّة الإسلاميّة الدّين، ونشر السنّة، وقد انقطعوا كلّهم لهذا العمل، وفرّغوا أنفسهم له.

ومن أعظم الخطأ في تاريخ تدوين الحديث دعوى بعض الناس أنه بدأ بعد المئة، وذلك تبعا لخطئهم في تحديد زمن التابعين. فإنّه لمّا بلغهم أنّ التدوين بدأ في عهد التابعين، وهم يعلمون أنّ بعض الصحابة امتد بهم العمر إلى أواخر المئة الأولى للهجرة، ظنّوا أنّ عهد التابعين يبدأ بعد انقضاء زمن الصحابة، فذهبوا إلى أنّ التدوين بدأ بعد المئة، وهذا كله خطأ. والحقّ أنّ عنوان «التابعين» يطلق على الذين لم يدركوا النبي صلّى الله عليه وسلم، أو


(١) طبقات ابن سعد (٢/ ٢: ١٣٥) .
(٢) انظر ترجمة الزهري في تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني.

<<  <   >  >>