صالحة تضيء لك بنورها دياجي الحياة، وينجلي لك بضوئها ظلام العيش، فتصلح ما اضطرب من أمورك، وتثقف بهديه أودك، وتقوّم بسنته عوجك. وإنّ السيرة الطيبة الجامعة لشتّى الأمور هي ملاك الأخلاق، وجماع التعاليم لشعوب الأرض، وللناس كافّة في أطوار الحياة كلّها، وأحوال الناس على اختلافها، وتنوّعها. فالسيرة المحمدية نور للمستنير، وهديها نبراس للمستهدي، وإرشادها ملجأ لكلّ مسترشد.
انتباه أحد البراهمة لهذه الناحية من الحياة المحمّديّة:
كان الواعظ الذائع الصيت الأستاذ حسن علي «١» - رحمه الله- يصدر في (بتنه) قبل خمسين عاما مجلة (نور الإسلام) وقد قال في جزء منها: إن صديقا له من البراهمة قال له: إني أرى رسول الإسلام أعظم رجال العالم، وأكملهم. فقال له الأستاذ حسن علي: وما هي منزلة المسيح عيسى ابن مريم عندك من رسول الإسلام؟ فأجابه: إنّ المسيح ابن مريم عندي في جانب محمّد صلّى الله عليه وسلم كمثل ولد صغير يتكلم بكلام عذب، ويتحدّث حديثا حلوا عند أعقل أهل زمانه، وأكثرهم حزما. ثم سأله حسن علي: وبماذا كان رسول الإسلام عندك أكمل رجال العالم؟ فأجاب: لأني أجد في رسول الإسلام خلالا مختلفة، وأخلاقا جمّة، وخصالا كثيرة لم أرها اجتمعت في تاريخ العالم لإنسان واحد في آن واحد: فقد كان ملكا دانت له أوطانه كلّها، يصرّف الأمر فيها كما يشاء، وهو مع ذلك متواضع في نفسه يرى أنه لا يملك من الأمر شيئا، وأن الأمر كلّه بيد ربه. وتراه في غنى عظيم تأتيه الإبل موقرة بالخزائن إلى عاصمته، ويبقى مع ذلك محتاجا، ولا توقد في بيته نار لطعام في الأيام الطوال، وكثيرا ما يطوي على الجوع. ونراه قائدا عظيما يقود الجند القليل العدد الضعيف العدد، فيقاتل بهم ألوفا من الجند المدجّج بالأسلحة الكاملة، ثم يهزمهم شرّ هزيمة. ونجده محبّا للسلام، مؤثرا للصلح، ويوقع شروط الهدنة على القرطاس بقلب مطمئن، وجأش هادىء، ومعه ألوف من أصحابه كلّ منهم شجاع باسل، وصاحب حماسة
(١) أحد كبار الكتاب والوعاظ في الهند في مطلع القرن العشرين، توفي سنة ١٩٢١ م.