للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أدراج الرياح؛ لأنّ الناس يزعمون أنّهم يملكون أنفسهم، فلهم أن يتصرفوا فيها كما يشاؤون، والانتحار عندهم أفضل وسائل النجاة من آلام الدّنيا، ولا يرون أنّ بعد هذه الحياة حياة يؤاخذون فيها على الانتحار، وحتى لو أيقنوا أنهم يبعثون بعد مماتهم، وينشرون تارة أخرى، فإنهم يستبعدون أن يحاسبوا على انتحارهم وقتلهم أنفسهم، أما الإسلام فقد شدّد في أمر الانتحار، وعدّه جريمة عظيمة، وحذّر عاقبته، وعلّمهم أنّ هذه الوسيلة الذميمة لا يركن إليها في الخلاص من آلام الحياة وشدائدها، وأنّ من انتحر فقد أقدم على ما ليس له به من حق، لأنّ الحياة والموت من أمر الله، ومن تجاوز أمر الله استحقّ سخطه، وغضبه، وسيحلّ به عذاب الله في الحياة الآخرى، وهو أشدّ وأبقى من آلام الدّنيا التي أراد المنتحر أن يخلص منها وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ [الإسراء: ٣٣] وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (٢٩) وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً [النساء: ٢٩- ٣٠] .

النفوس ملك لله، فليس للإنسان أن ينتحر أو يحدّد النّسل:

كان قتل البنات ووأدهن فاشيا بين العرب، وبين «الراجبوت» «١» من أهل الهند، وفي كثير من الممالك، فلما ظهر الإسلام أنكر ذلك ومحاه وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ (٨) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ [التكوير: ٨- ٩] وقتل الأولاد لم يكن جريمة عند العرب، ولا يزال هذا المنكر باقيا في الأمم المتمدنة: يدفعهم إلى ذلك خشية الإملاق، وضيق النفقة، وربما يبرّرون ذلك بأنّ غلال البلاد وحاصلاتها لا تسدّ حاجات العمران البشري، فيقتلون أولادهم دفعا للأزمات الاقتصادية عن البلاد، والعرب وغيرهم لم يكونوا يرون تبعة على من أجهضت حملها، وقتلت ولدها، وكان الإغريق يتتبعون كلّ مولود يولد في بلادهم، فيقتلون منهم الضعفاء، والمخدجين، وناقصي الخلق، وقد يقذفونهم من قلل الجبال، ويستحيون منهم الأقوياء، وتامّي الخلق.


(١) الراجبوت: قبيلة من قبائل الهند المشهورة، اشتهرت بالبطولة والبسالة في الحروب، تسكن في راجهسان الولاية الشمالية في الهند.

<<  <   >  >>