للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأصل الفطرة هي الدين الذي دعي الإنسان إليه، والإثم عارض يعرض للإنسان، ولا حق يطرأ عليه، ويقول الله عز وجل: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [الروم: ٣٠] . وفد فسّر الرسول هذه الآيات فيما رواه البخاري في تفسير سورة الروم من صحيحه، فقال صلّى الله عليه وسلم:

«ما من مولود يولد إلّا على الفطرة، فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه كما تنتج كلّ بهيمة صحيحة سليمة هل ترون فيها سكاء» «١» .

إنّ البشرى التي بشّر بها الرسول صلّى الله عليه وسلم بني آدم أنّ كل إنسان مختار فيما يفعله، غير مكره عليه، ولا مجبر، وليست حياته الحاضرة نتيجة لحياته الماضية، فمن آمن بالرسول؛ فقد تغيّرت وجهة نظره إلى أعماله، فلا هو كئيب واجم ظنّا منه بأنه مكره على عمل هو استمرار لحياة سالفة.

فكلّ من آمن بالرسالة المحمّدية أصبح بفضلها حرّا طليقا من الأوهام الباطلة، والعقائد الفاسدة؛ التي قيّدت حياة البشر، وغلّت أيديهم.

الناس سواسية في الإسلام والدنيا كلّها لله وحده:

إنّ الدنيا قبل بعثة رسول الإسلام صلّى الله عليه وسلم توزعتها عقائد باطلة، وأوهام سخيفة، فكان أهل كل دير في مملكة من الممالك يحسبون أنّ مملكتهم هي الدّنيا كلّها، فكان براهمة الهند، ومتصوفوها يرون أنّ بلادهم هي أرض الله الممتازة، وما خرج عنها لا نصيب له من رحمة الله، لأنّ الله لا يريد الخير إلا لقطّان بلادهم، وأمر الرسالة الإلهية، والهداية الربانية، قد اختصّ به بعض البيوتات من سدنة المعابد، لا يعدوهم أبدا، وكذلك فإن زردشت يحسب أنّ الإله إنما يعنى بأمر بلاده المقدسة وحدها، وبأهل وطنه الأخيار، ولا تعنيه بلاد أخرى، ولا أمّة أخرى،


(١) روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلم: «مامن مولود إلّا يولد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسّون فيها جدعاء؟» ثم يقول أبو هريرة- رضي الله عنه- فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها [الروم: ٣٠] [البخاري (١٣٥٨) ] .

<<  <   >  >>