للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بثمنه، وإذا بقي في يدهم شيء أنفقوه في سبيل الله، وفرغوا للدّين، وانقطعوا لتعلم أحكامه وعبادة ربهم.

ثم ارجعوا البصر إلى هؤلاء الأصحاب تروا فيهم زاهدا ناسكا متوكلا على الله كأبي ذر الغفاري الذي لم تظلّ السماء، ولم تقلّ الأرض مثله في صدق اللهجة، وكلمة الحق، وكان لا يدّخر الطعام لغده، ويعدّ ادخاره منافيا للتوكل على الله، ولذلك لقبه الرسول صلّى الله عليه وسلم بمسيح الإسلام. وفيهم سلمان الفارسيّ، الزاهد، الورع، والتقيّ الصّالح. وفيهم عبد الله بن عمر بن الخطاب الذي قضى ثلاثين حولا كاملا في عبادة الله، وعرضت عليه الخلافة، فأباها قائلا: لا أتولى خلافة تسفك فيها قطرة من دم المسلمين. وفيهم مصعب بن عمير «١» الذي كان يلبس قبل إسلامه الديباج الثّمين، والحرير الفاخر، ونشأ في حجر النعيم والشرف، وتقلب في بحبوحة العيش ورغده، ثم لبس في الإسلام المسوح، والخشن من الثياب المرقعة، ولما استشهد في سبيل الله لم يكن له ثوب ضاف يستر جسده كلّه، فاضطروا عند دفنه إلى أن يغطوا قدمية بالحشيش. وفيهم عثمان بن مظعون «٢» الذي دعي فيما بعد بأنّه أول ناسك في الإسلام. وفيهم محمد بن مسلمة «٣» الذي قال أيام الفتن: لو دخل علي مسلم بيده سيف مسلول يريد قتلي لم أكن لأقتله دفعا عن نفسي. وأما أبو الدرداء، وما أدراك من أبو الدرداء! فهو القاضي العالم الذي كان يقضي نهاره صائما وليله قائما.

إنّ من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم من قصصت عليك، ومنهم من لم


(١) هو مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف القرشي: صحابي من السابقين إلى الإسلام، شهد بدرا، وحمل اللواء يوم أحد، فاستشهد، وكان في الجاهلية فتى مكة شبابا، وجمالا، ونعمة، ولما ظهر الإسلام زهد بالنعيم، استشهد في أحد سنة ٣ هـ.
(٢) هو عثمان بن مظعون، صحابي من الشجعان، وذوي الرأي والتقدّم، وممّن هاجر إلى الحبشة، شهد بدرا، توفي سنة ٣٠ هـ.
(٣) هو محمد بن مسلمة الأوسي الأنصاري، صحابي من الأمراء، شهد سائر المشاهد إلا تبوك، استخلفة الرسول صلّى الله عليه وسلم على المدينة في بعض غزواته، توفي بالمدينة سنة ٤٣ هـ.

<<  <   >  >>