للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

محمد ربه وقد خلف في بيته دنانير؟! فهذا ما كان عليه صلّى الله عليه وسلم في حياته من إنفاق المال والصّدقة.

لقد رغّب محمد رسول الله صلّى الله عليه وسلم في الآخرة، وزهّد في الدّنيا، وحثّ على القناعة بالقليل منها، والكفاف من العيش، فلننظر إلى عيشه كيف كان يعيش ويحيا، لقد علمتم أنّ الله بسط على المسلمين الدّنيا، ووسع في أرزاقهم، فكانت تجبى إليه الأموال من الخراج، والعشر، والجزية، والزكاة، والصدقات، وكانت قوافل الإبل تحمل الطعام والمال إلى المدينة، أمّا رسول الله صلّى الله عليه وسلم فلم يكن له حظّ من تلك الأموال الكثيرة، وكان أهل بيته في ضنك وكفاف، تقول عائشة رضي الله عنها: توفّي رسول الله صلّى الله عليه وسلم ولم يشبع يومين متواليين «١» . وتقول: لم يكن في بيته يوم التحق صلّى الله عليه وسلم بالرّفيق الأعلى سوى صاع واحد من شعير، وكانت درعه مرهونة عند يهوديّ بصاع من شعير، كان الرّسول صلّى الله عليه وسلم يقول: «ما لابن آدم من دنياه غير بيت يأوي إليه، وثوب يلبسه، وخبز جافّ يأكله، وماء يشربه» » .

ولم ينطق صلّى الله عليه وسلم بهذه الكلمات في الزهد بالدّنيا إلا وقد رضي لنفسه بهذا القدر، وعمل به طول حياته، ولم يمدّ عينيه إلى زهرة الدنيا وزينتها، فكانت له حجرة مطينة غير مشيدة جدرانها، وكان سقفها من الخوص والوبر. تقول عائشة: لم يطو ثوبه أبدا. تعني أنه لم يكن له ثوب آخر غير الذي على جسده الطّاهر، جاءه مرة سائل يشكو الجوع الشديد، فأرسل إلى أزواجه يطلب للسائل طعاما من بيوتهن، فلم يجد عند إحداهن شيئا غير الماء. ويقول طلحة «٣» : رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يوما مضطجعا على فرش المسجد، يتململ من الجوع، وشكا إليه بعض الصحابة الجوع ذات مرة،


(١) رواه البخاري في نفقة نساء النبي صلّى الله عليه وسلم بعد وفاته (٣٠٩٧) وفي وفاة النبي صلّى الله عليه وسلم (٤٤٦٧) .
(٢) رواه الترمذي (٢٣٤١) في الزهد، باب (٣٠) وقال: حديث حسن صحيح.
(٣) هو طلحة بن عبيد الله بن عثمان التيمي القرشي، صحابي من الشجعان والأجواد، ومن المبشرين بالجنة، كان من دهاة قريش وعلمائهم، شهد سائر المشاهد، قتل يوم الجمل وهو بجانب عائشة رضي الله عنها، ودفن بالبصرة. وله ٣٨ حديثا مرويا.

<<  <   >  >>