للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إخواني! لا شكّ أنّكم سمعتم كثيرا من الناس يخطبون في «الإيثار» ويحثّون الناس عليه، فهل رأيتم مثالا عمليا للإيثار في صحيفة حياة واعظ؟

إذا شئتم أن تروا الأمثلة عليه فالتمسوها في سيرة الرسول الأعظم الذي علم الإنسانية فضائل «الإيثار» وحذرها عواقب «الأثرة» . أنتم تعلمون مبلغ حبه لابنته فاطمة رضي الله عنها، ومع ذلك فإنها كانت تطحن بيدها حتى مجلت، وتحمل قربة الماء على صدرها حتى اخضرّ. فجاءته ذات يوم تسأله خادمة- والإماء يومئذ كثيرة- فقال لها: يا فاطمة! لم أفرغ بعد من حاجات أهل الصّفة، فكيف أقضي حاجتك؟ ويروى أنه قال لها: إن أيتام شهداء بدر سبقوك في أمر الخوادم والعبيد. وأهدت إليه صحابية رداء في أحد الأيام، فنظر إليه أحد الحاضرين، وقال: ما أجمل هذا الرداء! فدفعه إليه.

وأراد أحد الصّحابة أن يقيم مأدبة فرح له، ولم يكن عنده ما يقدّمه للأضياف، فأتى النبيّ صلّى الله عليه وسلم يستعينه، فأرسله إلى عائشة لتعطيه سلّة دقيق كانت في بيتها، فذهب ورجع بها، ولم يبق في بيت الرسول تلك الليلة ما يأكله.

هلمي ما عندك من طعام، فجيء بطعام من نخالة، فلم يشبعهم، فقال لها: هلمي شيئا آخر، فجيء بحساء من تمر، ثم بقدح من لبن، ولم يكن في بيته غير ذلك، فكان اللبن آخر ما قدمه للأضياف، فاثرهم بكلّ ما عنده.

وإن شئت أن تشاهد المثل الأعلى للثقة بالله، والاعتماد عليه؛ فشاهد ذلك في بيت هذا الرسول، فإنّ الله أمره بقوله: فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ [الأحقاف: ٣٥] فامتثل أمر ربه. وأنت تعلم أنّه بعث في أمّة أميّة ذات حميّة وأنفة تمنعها أن تسمع كلمة مخالفة لعقائدها ومزاعمها، وهان عليها أن تموت في سبيل ذلك، لكن الرسول صلّى الله عليه وسلم قام برسالته صابرا مثابرا، فكان يوحّد الله في المسجد الحرام، ويصلّي على أعين المشركين في فناء المسجد الذي كان ناديا لهم ومجتمعهم، فكان

<<  <   >  >>