تامّا حتى لا يتسنّى للقارئ أن يميز بين الله وروح القدس، بل يصحّ عنده أنه إله، أو ملك، أما الرسالة المحمدية فقد أوضحت أمر الملائكة، وكشفت عنهم الحجب، فأصبح مدلول هذا اللفظ بيّنا واضحا، ومكانة الملائكة وأعمالهم معينة معلومة، وأسماؤهم مذكورة، فهم وسائط بين الله ورسله، وينفذون إرادة الله في تدبير العالم، وتصريف الأمور في الدّنيا، كل ذلك نراه مفصّلا في آي الذكر الحكيم.
هذا في العقائد ما قد فصلته الرسالة المحمدية وأوضحت أمره، أمّا في الأعمال ورأسها عبادة الله، فإن التوراة تتوسع في ذكر القرابين، وآدابها، وشرائطها، وفيها ذكر الصّوم، والأدعية، وفيها ذكر بيت إيل، أو بيت الله، ومع ذلك فإنّ هذه الأمور غير واضحة، ولا تسترعي أنظار الناظرين حتى أنّ منهم من جنح إلى إنكارها، وفيما عدا ذلك فإننا لا نجد في التوراة أنواع العبادات وأقسامها، ولا طرقها، ولا آدابها، ولا تعيين أوقاتها، وليس هنالك عناية تامة بتعليم العبادة للناس، وقد أهمل جانب عظيم من كيفية ذكر الله ودعائه، فلا نرى ما يدلّ على تعليم دعاء خاص لرب العالمين، وكيف يدعو الناس ربهم، ويسألونه حاجاتهم. وترى في الزبور أدعية كثيرة، ومناجاة للربّ طويلة، لكن ليس فيه ذكر لآداب العبادات، وشرائطها، وأوقاتها، أما الإنجيل فقلّما ترى فيه ذكرا للعبادات، بل ليس فيه ذكر للعبادة البتّة. نعم تجد في فقرة منه «١» ذكرا لتقشف المسيح، وصيامه أربعين يوما، وفي الإنجيل أيضا اعتراض اليهود على المسيح بأنّ أصحابه لا يصومون. وفيه ذكر دعاء دعا به عيسى عليه السلام في الليلة التي أرادوا صلبه فيها، وفي ذلك الموضع دعاء آخر له، لكننا لا نجد ذكرا لعبادات أخرى.
أما الإسلام ففيه: الصّلاة، والصّوم، والحجّ، مفصلة آداب كلّ منها وشرائطه، وموضحة طرق عبادته وسننها، وهو يرشد الناس إلى كيفية ذكر الله، وبأيّ دعاء يدعون، وبأيّ كلمات بليغة يسألون ربّ العالمين، وقد