النبوّة، وهي بين أن تكون غير صحيحة، أو يكون من وقعت منهم غير أنبياء.
فلمّا ظهر الإسلام وصف مكانة الأنبياء اللائقة بهم، وعيّن منزلتهم عند الله، وأعلن أنّهم عبيد الله، وليسوا أشباهه، ولا أندادا له، وأن الله لا يتجسّم في صورهم، وأنّهم ليسوا أبناء الله، ولا أقرباءه، إن هم إلا بشر بعثوا إلى بشر، وأنّ جميع أنبياء الله كانوا من قديم الزمان بشرا لا غير، وكذلك قال محمد خاتم النبيين صلّى الله عليه وسلم إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ فاستغرب الكفار ذلك، وقالوا: أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولًا [الإسراء: ٩٤] فقال الإسلام: قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ [فصلت: ٦] هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا [الإسراء: ٩٣] وكل هذه آيات من كتاب الله الحكيم.
إنّ الأنبياء مع قرب منزلتهم من الله وشرفهم وعلوّ مكانهم عنده لا يملكون من تدبير العالم شيئا، ولا يقدرون على ما لا يقدر عليه إنسان مثلهم، وكلّ ما صدر عنهم مما عجز عنه الآخرون فبإذن الله وأمره. وقد وصفهم الإسلام بأنّهم وإن كانوا بشرا كغيرهم من البشر إلا أنهم أعلى منزلة وأسمى مكانا من سائر الناس، فهم يكلمون الله، ويوحى إليهم، وقد عصمهم الله من الذنوب، وطهّرهم من رجس الآثام، فكانوا أعفة كرام الأخلاق؛ لتكون على أيديهم هداية المجرمين، والآثمين من الناس، وقد يجري الله آياته وبيناته على أيديهم، ليقوموا بتعليم الناس الصّلاح والرشاد، وليزكّوهم، ويطهّروهم، فيجب لهم على الناس أن يكرموهم، ويعظّموهم، ويعملوا بهدايتهم؛ لأنّ الله أرسلهم هداة مصلحين، وشرّفهم برسالته ووحيه وكلامه.
هذا ما علّمه الإسلام للناس من الاقتصاد، والاعتدال في أمر الأنبياء وفاء بحقّهم بلا غلوّ، ولا تقصير، وهذا ما كان جديرا بالإسلام، لأنه جاء مكملا لتوحيد ربّ العالمين.