أعداءك. من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر أيضا. من سخّرك ميلا فاذهب معه ميلين. من أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك؛ فاترك له الرداء أيضا. اذهب وبع أملاكك، وأعط الفقراء. واعف عن أخيك سبعين مرّة.
يعسر أن يدخل غني إلى ملكوت السموات» .
إنّ هذا وأمثاله لا شكّ أنّه من الموعظة الحسنة المحببة إلى النفوس، لكنّها لا تعدّ سيرة ما لم يقترن بها العمل. نعم إنّها قول ليّن وحديث لذيذ، ولكنّ الذي لا يغلب عدوه كيف يتسنّى له العفو، ومن لا يملك، ومن لا يكون له مال كيف يتصدّق على الفقراء والمساكين واليتامى، وكيف يقضي لهم حاجاتهم؟ ومن لا زوج له، ولا ولد، ولا أهل كيف تكون حياته أسوة للأزواج، وذوي البنين، والمتأهلين، وهم هم الناس الذين تعمر الدنيا بهم؟ ومن لم يتفق له أن يصفح عن أحد في حياته كيف يقتدي به من كان شديد الغضب، سريع البادرة.
الحسنات قسمان: قسم سلبي، وآخر إيجابيّ. وأنت إذا اعتزلت الدّنيا في غار بسفح جبل تعبد فيه ربّك، ولم تبرحه طوال حياتك، تصرف فيه أوقاتك بالتبتّل إلى الله، فإنّ أحسن ما يقال في مدحك: إنك اتقيت الشرّ، ولم تقترف سيئة تذمّ عليها، وذلك من الحسنات، إلا أنها حسنات سلبية.
ولكن ماذا فعلت من الناحية الإيجابية من خير: هل حملت كلّا، أو نصرت مظلوما، أو كسبت معدما، أو أطعمت جائعا، أو كسوت عاريا، أو ساعدت فقيرا، أو ذدت عن ضعيف، أو هديت ضالّا؟ إن الأخلاق الحسنة ومكارمها من العفو، والسماحة، والقرى، وبذل المال، والصّدق بالحق، والحميّة في قمع الباطل، والجهاد في أداء الواجب لا تعدّ مكارم أخلاق لأجل ترك الدّنيا، والتبتّل في عزلة عن المجتمع، وليست الحسنات من الأمور السلبية فحسب، بل معظم الحسنات ترجع إلى العمل الإيجابيّ الذي يقوم به المرء، ولا يكفي فيها ترك المعاصي، واجتناب السّوء. وهذا كلّه يدلّ على أنّ حياة العظيم لا تكون فيها الأسوة للناس ما لم تصدر عن صاحبها الأعمال الإيجابية المحمودة، والأخلاق النّافعة الكريمة ممّا يوافق