هجرته، ومع من هاجر، والغزوات التي غزاها، والأسباب الباعثة عليها، وموقفه من الهدنة «١» إذا هادن، وعهوده إذا عاهد؟ وما صلح الحديبية بسرّ. والذين طالعوا كتب السيرة النبوية يعلمون ما ذكرنا، وما لم نذكر، وقد وقفوا على كتبه صلّى الله عليه وسلم إلى الملوك، والأقيال، والولاة، يدعوهم فيها إلى دين الله، دين السلام والوئام، وعرفوا جهاده في سبيل الحق، وما بذله في تبليغ دعوة الإسلام إلى الناس، إلى أن أكمل الله للإنسانية دينها، وحجّ صلّى الله عليه وسلم حجّة الوداع، وتوفاه الله إليه. فهل في شيء من ذلك ما يجهله التاريخ، وهل فيما يتعلق بهذا الرسول الأعظم ورسالته ما أسدل عليه ستار من خفاء؟ إنّ كل ما ينسب إليه صلّى الله عليه وسلم، أو يعزى إليه من حق أو باطل، وصدق أو كذب، وصحيح أو فاسد معلوم بالتفصيل، وواضح أمره للناقدين. وقد يخطر ببال سائل أن يسأل: ما بال المحدّثين حافظوا موضوعات الأحاديث وضعافها، وهلا اكتفوا بالصحيح وأهملوا غيره؟
والذي ينعم النظر في ذلك يبدو له من المصلحة ألايوجه القادحون اللائمة إلى المسلمين بأنّ هنالك مرويات قضوا عليها، وأخبارا نبذوها ليخفوا من أمر نبيهم ما فيه مغمز، كما يطعن الطاعنون في هذه الأيام على الأخبار المسيحية لأجل ذلك. أما المحدّثون الكرام من علماء المسلمين؛ فقد جمعوا كلّ ما له علاقة بالنبي صلّى الله عليه وسلم صحيحا كان أو سقيما، حقا أو باطلا، وجعلوا لنقده قواعد، وأصّلوا لتحقيقه أصولا، يرجع إليها في تمييز الصحيح من الفاسد، والغثّ من السمين. وهم قد حافظوا شؤون حياة النبي صلّى الله عليه وسلم، وأحواله، وأخباره كلّها، ولم يتركوا أمرا من أموره، ولا شأنا من شؤونه إلا ذكروه. حتى لقد وصفوه في قيامه، وجلوسه، ونهوضه من النوم، وهيئته في ضحكه، وابتسامه، وعبادته في ليلة ونهاره، وكيف كان يفعل إذا اغتسل، وإذا أكل، وكيف كان يشرب، وماذا كان يلبس، وكيف يتحدث إلى الناس إذا لقيهم، وما كان يحبّ من الألوان، ومن الطيب، وما هي حليته وشمائله، ووصفوا جسده الطاهر وصفا كاملا كأنك