للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إذن من الرسول بأن تقول عنه للناس كلّ ما تراه منه في خلواته، وهن في حلّ من أن يخبرن الناس في وضح النهار كلّ ما رأين منه في ظلمة الليل، وأن يتحدّثن في الساحات، والمجامع بما يشاهدن منه في الحجرات، فهل عرفت الدّنيا رجلا كهذا الرجل يثق بنفسه كلّ هذه الثقة، ويعتمد عليها إلى هذا الحد، ولا يخاف قالة السّوء عنه من أحد؛ لأنه أبعد الناس عن السوء.

هذا ما يتعلق بذات الرسول، وأما ما تحلّت به نفسه من دماثة الخلق، ورجاحة العقل، وحصافة الرأي، وكرم النفس، وعلوّ الهمّة، ورحابة الصدر، فإنّ كتب الحديث ملأى بتفاصيله. وأحسن كتاب في ذلك كتاب (الشفا) للقاضي عياض الأندلسي. وقد قال لي يوما وأنا في فرنسا مستشرق اسمه ماسنيون «١» : يكفي لتعرف أوربا محاسن رسول الله محمد صلّى الله عليه وسلم ومحامده أن ينقل كتاب (الشفا) للقاضي عياض إلى إحدى اللغات الأوربية.

إنني بوّبت في الجزء الثاني من السيرة «٢» عند ذكر شمائله صلّى الله عليه وسلم هذه الأمور: خلق رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وحليته، وخاتم النبوة، وشعره، ومشيته، وكلامه، وضحكه، وتبسمه، ولباسه، وخاتمه، ومغفره، ودرعه، وطعامه، وصفة أكله، وسنن طعامه، وشارته، واللون المحبب إليه، واللون الذي كان يرغب عنه، وتعطره، وحبه للنظافة والطهارة، وركوبه.

وذكرت في أشغاله: ما كان يعمله في نهاره من الصباح إلى المساء، ثم نومه، وتهجّده، ووظائفه في الصلوات، وأسلوب خطبته، وأعماله في السفر، وأعماله في الجهاد، وسنته في عيادة المرضى، وتعزيته أهل الميت، وسنته في لقاء الناس، وعامة أشغاله. وإليكم ما ذكرت عن مجلسه صلّى الله عليه وسلم: مجالس الإرشاد، آداب المجلس، أوقات جلوسه مع الناس، مجالسه الخاصة بالنساء، طريقة هديه وإرشاده، لقاؤه الناس بالبشاشة والبشر، تأثير صحبته فيمن يصحبه، وأسلوب كلامه معهم،


(١) ماسنيون (Massignon) مستشرق فرنسي، عني بالصّوفية، واهتمّ بنشر مؤلفات الحلّاج، وله مؤلفات في الشؤون الإسلاميّة، مات سنة ١٩٦٢ م.
(٢) أراد المحاضر كتابه في السيرة النبوية بالأردوية.

<<  <   >  >>