الأطراف، وكثير المناحي، فأنا أجمل لكم في القول ما استطعت، وأرجو منكم أن تستمعوا له. إنّ النبي صلّى الله عليه وسلم أذن لأصحابه ولمن يحضر مجالسه أن يبلغوا عنه لمن غاب عنها، وهذا الإذن عامّ لما يكون عنه في بيته، وبين أهله وعياله، أو ما يصدر عنه في حلقته مع أصحابه، أو ما يقفون عليه من أعماله، وأقواله عند تعبده في مسجده، أو قيامه على منبره خطيبا، أو جهاده في ساحة الحرب تجاه أعدائه، وهو يسوّي صفوف المجاهدين في سبيل الله، أو إذا خلا إلى ربه في حجرة منعزلة في بيته يعبد الله ويتضرّع إليه، فكان أزواجه وأصحابه يتحدثون جميعا بكلّ ما يصدر عنه من قول أو عمل. ثم إنّه كان تجاه مسجده صفّة يأوي إليها فقراء الصحابة الذين لم تكن لهم بيوت يأوون إليها، فكانوا يتناوبون الخروج إلى ما بعد بنيان المدينة يحتطبون من أشجار الصحراء والجبل، ويبيعون ما يأتون به ليقتاتوا جميعا بثمنه، ولم يكن لسائرهم عمل غير صحبة النبي صلّى الله عليه وسلم ولزوم مجالسه؛ ليحافظوا عنه ما يقول، وما يعمل، ثم يروونه للناس بعناية، وأمانة، وقد بلغ عدد أهل الصفة هؤلاء سبعين رجلا، كان منهم أبو هريرة الذي لم يكن صحابيّ أكثر منه حديثا عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وهؤلاء السبعون كانوا كأنهم جواسيس الحكومة وعيونها في نشاطهم وإخلاصهم لما يسّرهم الله له من حفظ كلّ ما يستطيعون حفظه مما يدخل في موضوع الحديث النبوي، ولا يفترون عن ذلك آناء الليل وأطراف النهار، وقد استمرّ الحال بهم على ذلك يوميا مدّة عشر سنوات متوالية، وإذا ارتحل عن المدينة في غزو، أو حجّ كانوا معه، وكذلك غيرهم من الصحابة، حتى لم تخف عنهم خافية من أمره، ولم يغب عنهم معنى من معاني رسالته، ولما كان فتح مكة كان معه من أصحابه عشرة آلاف، ولما سار إلى تبوك كان في معسكره ثلاثون ألفا، ولما حجّ حجّة الوداع حجّ معه في تلك السنة مئة ألف مسلم ينطبق عليهم عنوان الصحابة، وما منهم إلا من يحرص على الوقوف على شيء من هداية نبيه صلّى الله عليه وسلم، أو أيّ أمر من أموره، فيتحدّث عنه. بل هو الذي أمرهم أن يبلغوا عنه ما يسمعون منه، أو يرون من تصرفاته، فما ظنّكم به بعد ذلك؛ هل يخفى عن التاريخ وجه من وجوه حياته، أو ناحية من نواحيها.