للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} [البقرة: ٢٨٢] فالنزاع فى الأداء لا فى التحمل.

والحديث الذى يتمسك به الحنفية ضعيف وليس هو للحصر، بدليل أن اليمين تشرع فى حق المودع إذا ادعى رد الوديعة وتلفها، وفى حق الأمناء لظهور خياناتهم، وفى حق الملاعن، وفى القسامة وغير ذلك (١) .

ولقد شرعت اليمين من جانب المدعى عليه حيث لم يترجح جانب المدعى بشئ إلا مجرد الادعاء، ففى هذه الحالة يكون جانب المدعى عليه أولى باليمين لقوته بأصل براءة الذمة فكان هو أقوى المتداعين باستصحاب هذا الأصل، فإذا ترجع جانب المدعى بلَوْث أو نكول أو شهادة شاهد كان أولى باليمين لقوة جانبه بذلك، فاليمين مشروعة إذن فى جانب أقوى المتداعين (٢) .

ويلاحظ أن الجرائم التى توجب عقوبة تعزيرية مالية تثبت عند الحنفية بما تثبت به الجرائم التى توجب عقوبة تعزيرية بدنية، فلا فرق فى إثبات الجرائم التعزيرية ولو تنوعت عقوباتها واختلفت.

ويلاحظ أيضًا أن الحنفيين يتشددون فى إثبات الجرائم الموجبة للحدود والقصاص والعقوبات المالية غير التعزيرية بينما يتساهلون فى إثبات الجرائم الموجبة لعقوبة تعزيرية، بل إنهم يتساهلون فى إثبات هذا النوع من الجرائم أكثر مما يتساهلون فى إثبات العقود المالية المحضة، ولعل مرجع ذلك التساهل إلى أن الجرائم التعزيرية هى أكثر الجرائم وقوعًا والعقوبات التعزيرية هى أكثر العقوبات تطبيقًا، فوجب التساهل فى إثبات هذه الجرائم حرصًا على مصلحة الجماعة وصيانة لنظامها.

٤٤٨- ويرى ابن القيم أن الجرائم الموجبة للعقوبات المالية تثبت بشهادة شاهد واحد دون يمين كلما وثق به القاضى (٣) .

ويجيز الفقهاء عامة شهادة الرجل الواحد أو المرأة الواحدة للضرورة ويقبلون مثل


(١) المغنى ج١٢ ص١٠ , ١١.
(٢) الطرق الحكمية ص٦٦ , ٧٥.
(٣) الطرق الحكيمة ص٦٦ , ٨٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>