للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يكونون فى بلد والقتيل فى بلد آخر (١)

ومن حجتهم أن الأيمان ليس لها تأثير فى إشاطة الدماء وأن البينة على من ادعى واليمين على من أنكر، ولا يرى أصحاب هذا الرأى فى الأحاديث التى يستند إليها القائلون بالقسامة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حكم بالقسامة وإنما كانت القسامة حكمًا جاهليًا فتلطف لهم رسول الله ليريهم كيف لا يلزم الحكم بها على أصول الإسلام، ولذلك قال لهم: أتحلفون خمسين يمينًا - أعنى لولاة الدم وهم الأنصار - قالوا: كيف نحلف ولم نشاهد؟ قال: فيحلف لكم اليهود، قالوا: كيف نقبل أيمان قوم كفار؟ قالوا: فلو كانت السنة أن يحلفوا وإن لم يشهدوا لقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هى السنة، وإذا كانت هذه الآثار غير نص فى القسامة بالقسامة والتأويل يتطرق إليها فصرفها بالتأويل إلى الأصول أولى (٢) .

ويرد الفريق الآخر على هذه الحجج بأن القسامة سنة مقررة بنفسها مخصصة للأصول كسائر السنن المخصصة، وأنه يجوز للأولياء أن يقسموا على القاتل إذا غلب على ظنهم أنه قتله وإن كانوا غائبين عن مكان القتل، لأن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال للأنصار: "تحلفون وتستحقون دم صاحبكم" وكانوا بالمدينة والقتيل بخيبر ولأن للإنسان أن يحلف على غالب ظنه كما أن من اشترى من إنسان شيئًا فجاء آخر يدعيه جاز أن يحلف أنه لا يستحقه لأن الظاهر أنه ملك الذى باعه، وكذلك


(١) لذلك روى البخارى عن أبى قلابة أن عمر بن عبد العزيز أبرز سريره يوماً للناس ثم أذن لهم فدخلوا عليه , فقال: ما تقولون فى القسامة؟ فأضب القوم , وقالوا: نقول إن القسامة القود بها حق , قد اقاد بها الخلفاء , فقال: ما تقول يا أبا قلابة؟ ونَصيَنَى للناس , فقلت: يا أمير المؤمنين عندك أشراف العرب ورؤساء الأجناد أرأيت لو أن خمسين رجلاً شهدوا عندك على رجل أنه زنا بدمشق ولم يروه أكنت ترجمه؟ قال: لا , قلت: أفرأيت لو أن خمسين رجلاً شهدوا عندك على رجل أنه سرق بحمص ولم يروه أكنت تقطعه؟ قال: لا. وفى بعض الروايات: = =قلت: فما بالهم إذا شهدوا أنه قتله بأرض كذا وهم عندك أقدت بشهاتهم؟ قال: فكتب عمر بن عبد العزيز فى القسامة أنهم إن أقاموا شاهدى عدل أن فلاناً فأقده ولا يقتل بشهادة الخمسين الذين أقسموا (بداية المجتهد ج٢ ص٣٥٧ , طرق الإثبات الشرعية ص٤٩٠) ..
(٢) بداية المجتهد ج٢ ص٣٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>