للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولعل فى حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذى قرر القسامة ما يؤيد هذا النظر، ففى رواية متفق عليها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لهم: "تأتون بالبينة على من قتله؟ فقالوا: ما لنا من بينة قال: فتحلفون؟ قالوا: لا نرضى بأيمان اليهود، فكره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يُطَلَّ دمه فوداه بمائه من إبل الصدقة" (١) ، وهذا ما جعل الحنابلة يرون أنه إذا لم يحلف المدعون ولم يرضوا يمين المدعى عليه فداه الإمام من بيت المال، وما جعلهم يرون إلزام المدعى عليه الدية إذا نكل عن الحلف.

٤٥٥- والقسامة عند أبى حنيفة شرعت فوق ما سبق لعلاج التقصير فى النصرة وحفظ الموضع الذى وجد فيه القتيل ممن وجب عليه النصرة والحفظ لأن إذا وجب عليه الحفظ فلم يحفظ مع القدرة على الحفظ صار مقصرًا بترك الحفظ الواجب فيؤاخذ بالتقصير، زجرًا عن ذلك وحملاً على تحصيل الواجب وكل من كان أخص بالنصرة والحفظ كان أولى بتحمل القسامة والدية؛ لأنه أولى بالحفظ فكان التقصير منه أبلغ. ولهذا يرى أبو حنيفة أن القتيل إذا وجد فى موضع اختص به واحد أو جمعة إما بالملك أو باليد ويتهمون أنهم قتلوه فعليهم شرعًا القسامة دفعًا للتهمة، والدية لوجود القتيل بين أظهرهم (٢) .

٤٥٦- هل شرعت القسامة للإثبات أم لنفى؟: يرى مالك والشافعى وأحمد أن القسامة شرعت لإثبات الجريمة ضد الجانى كلما انعدمت أدلة الإثبات الأخرى أو لم تكن كافية بذاتها لإثبات الجريمة على الجانى، فإذا لم يكن مثلاً إلا شاهد واحد على القاتل أو لم يكن هناك شهود ولكن وجدت قرينة على أن القتل حصل من المتهم كان لولاة القتيل أن يثبتوا الجريمة على المتهم بطريق القسامة (٣) .

ويرى أبو حنيفة أن القسامة دليلاً مثبتًا للفعل المحرم وإنما هى دليل


(١) نيل الأوطار ج٦ ص٣١٢.
(٢) بدائع الصنائع ج٧ ص٢٩٠.
(٣) شرح الزرقانى ج٨ ص٥٩ , نهاية المحتاج ج٧ ص٣٧٦ , المغنى ج١٠ ص٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>