للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهاتان القاعدتان (١)

تؤديان معنى واحداً هو أنه لا يمكن اعتبار فعل أو ترك جريمة إلا بنص صريح يحرم الفعل أو الترك، فإذا لم يرد نص يحرم الفعل أو الترك فلا مسؤولية ولا عقاب على فاعل أو تارك. ولما كانت الأفعال المحرمة لا تعتبر جريمة في الشريعة بتحريمها وإنما بتقرير عقوبة عليها، سواء كانت العقوبة حداً أو تعزيراً، فإن المعنى الذي يستخلص من ذلك كله هو أن قواعد الشريعة الإسلامية تقضي بأن لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص.

وهناك قاعدة أصولية ثالثة تقضي بأنه: "لا يكلف شرعاً إلا من كان قادراً على فهم دليل التكليف أهلاً لما كلف به، ولا يكلف شرعاً إلا بفعل ممكن مقدور للمكلف معلوم له علماً يحمله على امتثاله" (٢) .

فهذه القاعدة تبين الشروط الواجب توفرها في المكلف؛ أي الشخص المسؤل، والشروط الواجب توفرها في الفعل المكلف به.

فأما المكلف فيشترط فيه:

أولاً: أن يكون قادراً على فهم دليل التكليف، أي أن يكون في استطاعته فهم النصوص الشرعية التي جاءت بالحكم التكليفي؛ لأن العاجز عن الفهم لا يمكن أن يمتثل ما كلف به.

ثانياً: أن يكون أهلاً لما كلف به؛ أي أن يكون أهلاً للمسئولية وأهلاً للعقوبة.

أما الفعل المكلف به فيشترط فيه:


(١) القاعدة الأخيرة يأخذ بها أكثر الحنفية والشافعية، والقاعدة الأولى يقول بها غيرهم وهم الذين يرون أن الإجابة تستدعي مبيحاً والمبيح هو الله تعالى إذا خير بين الفعل وتركه بخطابه، فإذا لم يكن خطاب لم يكن تخيير ولا إباحة. فالأفعال عند هؤلاء لا محظورة ولا مباحة ولا حرج في إتيانها أو تركها حتى ينص على حظرها أو إباحتها.
... وهناك فريق يأخذ بالقاعدة الثانية على أساس أن معنى الإباحة هو أن لا حرج في إتيان الفعل.

... وقد كان هذا الخلاف سبباً في وضع هاتين القاعدتين الأصوليتين. ومن شاء أن يستزيد فليراجع: الإحكام في أصول الأحكام للآمدي ج١ ص١٣٠ وما بعدها. والمستصفي للغزالي ج١ ص٦٣ وما بعدها. ومسلم الثبوت ج١ ص٤٩. والإحكام في أصول الأحكام لابن حزم ج١ ص٥٢ وما بعدها.
(٢) أصول الفقه لعبد الوهاب خلاف ص١٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>