والفرق بين الحكم التكليفي والحكم الوضعي يظهر من وجهين: أولهما: أن الحكم التكليفي يقصد به طلب فعل أو الكف عنه، أو التخيير بين إتيان الفعل وتركه. أما الحكم الوضعي فلا يقصد به طلب ولا كف ولا تخيير، ولكن المقصود منه بيان الأسباب والشروط والموانع. ثانيهما: أن الحكم التكليفي يكون دائماً في مقدور المكلَّف، فيستطيع أن يفعله أو يتركه إن شاء؛ أما الحكم الوضعي فقد يكون أمراً في مقدور المكلف، وقد لا يكون في مقدوره.
وينبغي أن نلاحظ أن النص الواحد قد يشتمل على حكم تكليفي وحكم وضعي في آن واحد، ومثل ذلك قوله تعالى:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا} ، فهذا النص يشتمل على حكم تكليفي هو طلب الكف عن السرقة، ويشتمل في الوقت نفسه على حكم وضعي هو جعل السرقة سبباً في قطع يد السارق.
وليس يهمنا فيما يتعلق بالنص على الجريمة إلا الحكم التكليفي المقتضي طلب فعل من المكلف أو كفه عن فعل. أما الأحكام التكليفية المخيرة فلا يعاقب على تركها أو إتيانها، ولا يعتبر إتيانها أو تركها جريمة، على الرأي الراجح.
وفيما يتعلق بالنص على العقوبة يهمنا الحكم الوضعي، سواء كان سبباً أو شرطاً أو مانعاً؛ لأنه يبين العقوبة وأسبابها وشروطها وموانعها.
٨٧ - قواعد أصولية شرعية: من القواعد الأساسية في الشريعة الإسلامية: أنه "لا حكم لأفعال العقلاء قبل ورود النص"، أي أن أفعال المكلف المسؤول لا يمكن وصفها بأنها محرمة ما دام لم يرد نص بتحريمها، ولا حرج على المكلف أن يفعلها أو يتركها حتى ينص على تحريمها.
وهناك قاعدة أساسية أخرى تقضي بأن:"الأصل في الأشياء والأفعال الإباحة"، أي
أن كل فعل أو ترك مباح أصلاً بالإباحة الأصلية، فما لم يرد نص بتحريمه فلا مسؤولية على فاعله أو تاركه.