للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو بعضهم أمام الأول فأرسل شهادتهم إلى الأخير، لأن كتاب القاضى يعتبر بذاته شهادة على شهادة.

والعلة فى منع الشهادة على الشهادة قيام الشبهة فى صحة الشهادة المنقولة، ذلك أن الاحتياط واجب فى الحدود، وأن الحدود تدرأ بالشبهات، فلا تقبل الشهادة للشبهة فى صحتها.

ويرتب أبو حنيفة على عدم قبول شهادة الفروع (١) أنه إذا جاء الأصول بعد رد شهادة الفروع فشهدوا بأنهم عاينوا الحادث وذكروا نفس ما شهد به الفروع من الزنا، فلا تقبل شهادة الأصول أيضًا لأن شهادتهم قد ردها الشرع من وجه برد شهادة الفروع فى عين الحادثة التى شهد بها الأصول إذا هم قائمون مقامهم فيصار ذلك شبهة فى درء الحد عن المشهود عليه بالزنا (٢) .

والأصل عند أبى حنيفة هو قبول الشهادة على الشهادة، ولكنه لا يقبلها استثناء فى الحدود والقصاص (٣) .

والأصل عند الشافعى أن الشهادة تجوز فى حقوق الآدميين وفيما لا يسقط بالشبهة من حقوق الله تعالى؛ لأن الحاجة تدعو لذلك عند تعذر شهادة الأصل بالموت والمرض والغيبة، أما الحدود المقررة حقًا خالصًا لله تعالى وهى حد الزنا وحد السرقة وقطع الطريق وشرب الخمر ففيها يقولان: أحدهما أنه يجوز فيها الشهادة على الشهادة لأنه حق يثبت بالشهادة فجاز أن يثبت بالشهادة على الشهادة كحقوق الآدميين. والثانى: أنه لا يجوز لأن حدود الله تعالى مبنية على الدرء والإسقاط فلا يثب إلا بما يؤكدها ويوثقها، والشهادة على الشهادة فيها من الشبهة ما يمنع من التأكيد والتوثيق، وهذا هو الرأى الراجح فى المذهب (٤) ،


(١) تسمى شهادة من عاين الحادث شهادة الأصول، وتسمى شهادة الناقلين عن الأصول شهادة الفروع.
(٢) شرح فتح القدير [ج٤ ص١٧١] .
(٣) حاشية ابن عابدين [ج٤ ص٥٤٤] .
(٤) المهذب [ج٢ ص٣٥٥] ، أسنى المطالب [ج٤ ص٣٧٧] ، نهاية المحتاج [ج٨ ص١٥١] .

<<  <  ج: ص:  >  >>