للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن قال: ما أنا بزان وليست أمى بزانية، أو قال: يا ابن منزلة الركبان أو ذات الراية، أو قال لامرأة: فضحت زوجك وجعلت له قرونًا أو أفسدت فراشه ونكست رأسه، فذلك هو التعريض أو الكناية.

ولا خلاف فى أن القذف الصريح معاقب عليه بعقوبة الحد، أما القذف القائم على التعريض والكناية فمختلف على عقوبته، فيرى أبو حنيفة - وما يراه رواية فى مذهب أحمد - أن لا حد على القذف بالتعريض أو الكناية وإنما فيه التعزير، وحجة أصحاب هذا الرأى ما روى أن رجلًا قال للنبى - صلى الله عليه وسلم -: إن امرأتى ولدت غلامًا أسود؛ يعرض بنفيه، فلم يعاقبه الرسول على ذلك القول، وأن الله تعالى فرق بين التعريض بالخطبة والتصريح بها فأباح التعريض بها فى العدة وحرم التصريح فقال جل شأنه: {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فىِ أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَّ أَن تَقُولُوا قَوْلا مَّعْرُوفًا} [البقرة: ٢٣٥] فإذا كان الشرع قد فرق بين التعريض والتصريح فيما يعزر عليه فأولى أن يفرق بينهما من أن يعاقب عليه بعقوبة الحد التى تدرأ بالشبهات، وفضلًا عن ذلك فإن التعريض والكناية يحتمل غيره والاحتمال شبهة والحدود تدرأ بالشبهات (١) (١٩) .

والأصل عند الشافعى أن لا حد إلا فى القذف الصريح ولكنه يوجب الحد من القذف بالتعريض والكناية إذا ثبت أن القاذف نوى بما قال القذف لأن الكناية مع النية بمنزلة الصريح، أما إذا لم ينو بما قاله من تعريض أو كناية القذف لم يجب الحد سواء كان ذلك فى حال الخصومة أو غيرها لأنه يحتمل القذف وغيره فلم يجعل قذفًا من غير نية (٢) .

ويرى مالك الحد فى القذف بالتعريض أو الكناية إذا فهم منه القذف أو دلت القرائن على أن القاذف قصد القذف، ولكنه يستثنى من ذلك الأب فإذا


(١) شرح فتح القدير ج٤ ص ١٩١، المغنى ج١٠ ص ٢١٣.
(٢) المهذب ج٢ ص ٢٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>