للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبعد هذا البيان نستطيع أن نبين عقوبة كل فعل بحسب الآراء المختلفة:

٦٣٩- إخافة السبيل لا غير: إذا أخاف المحارب السبيل لا غير ولم يقتل ولم يأخذ مالاً فجزاؤه عند أبى حنيفة وأحمد النفي؛ لقوله تعالى: {أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ} , وجزاؤه عند الشافعى والشيعة الزيدية التعزير أو النفي, وقد سووا بين التعزير والنفى لاعتبارهم النفى تعزيرًا حيث لم يحدد نوعه ومدته, على أنهم يرون أن يمتد النفى حتى تظهر توبة المحارب (١) .

ويرى مالك أن الإمام مخير بين أن يقتل المحارب أو يصلبه أو يقطعه أو ينفيه وأن الأمر فى الاختيار مرجعه الاجتهاد وتحرِّى المصلحة العامة, فإن كان المحارب ممن له الرأى والتدبير فوجه الاجتهاد قتله أو صلبه لأن القطع لا يرفع ضرره, وإن كان لا رأى له وإنما هو ذو قوة وبأس قطعه من خلاف, وإن كان ليس فيه شيء من هاتين الصفتين أخذ باليسر وما يجب فيه هو النفى والتعزير (٢) . ويرى الظاهريون ما يراه مالك فى هذه المسألة (٣) .

معنى النفى: اختلف الفقهاء فى معنى النفى اختلافًا كبيرًا, فقال البعض: إن المراد بقوله تعالى: {أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ} أن ينفوا من الأرض بالقتل أو الصلب. وقال البعض: إن النفى هو الطرد من دار الإسلام, فالنفى بهذا المعنى هو التغريب ويساوى إلى حد ما إسقاط الجنسية فى عصرنا الحاضر وإن كان من الممكن إعادة المنفى إذا ظهرت توبته. والنفى فى مذهب مالك هو السجن فى رأى البعض, وهو السجن فى بلد أخرى غير محل الحادث فى رأى ثانٍ, وهو فرارهم من الإمام لإقامة الحد عليهم, فإن قدر عليهم فلا نفى بعد ذلك, وبالرأى الأول يأخذ الحنفيون


(١) أسنى المطالب ج٤ ص١٥٤, ١٥٥, المغنى ج١٠ ص٣١٣, بدائع الصنائع ج٧ ص٩٣, شرح الأزهار ج٤ ص٣٧٦.
(٢) نهاية المجتهد ج٢ ص ٣٨٠, ٣٨١, شرح الزرقانى ج٨ ص١١٠, ١١١, المدونة ج١٦ ص٩٨, ٩٩.
(٣) المحلى ج١١ ص٣٨٧, ٣١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>