للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويعتبر المحارب تائبًا إذا أتى الإمام طائعًا قبل القدرة عليه ملقيًا سلاحه وإن لم يدل على التوبة مظهر آخر, ويعتبر كذلك إذا ترك ما هو عليه من الحرابة وإن لم يأت الإمام (١) , وإذا أمن المحارب ليسلم نفسه فلا أمان له ولا يعتبر بتسليم نفسه تائبًا قبل القدرة عليه لأنه كان مطلوبًا (٢) .

وإذا فعل المحارب ما يوجب حدًا لا يختص بالمحاربة كالزنا والقذف وشرب الخمر والسرقة فإنها لا تسقط عنه بالتوبة عند مالك والظاهريين, ويسقط منها السرقة دون غيرها عند أبى حنيفة لما سنبينه بعد. أما عند الشافعى وأحمد ففى مذهبهما رأيان: أولهما: أنها جميعًا تسقط بالتوبة لأنها حدود الله تعالى فتسقط بالتوبة كحد المحاربة إلا حد القذف فإنه لا يسقط لأنه حق آدمي, ولأن فى إسقاطها ترغيبًا فى التوبة, وهذا الرأى هو الراجح فى مذهب أحمد والمرجوح فى مذهب الشافعي, والثانى: أنها لا تسقط لأنها لا تختص بالمحاربة فكانت فى حق المحارب كحق غيره. وهذا هو الراجح فى مذهب الشافعى. أما إن أتى حدًا قبل المحاربة ثم حارب وتاب قبل القدرة عليه لم يسقط الحد الأول؛ لأن التوبة إنما يسقط بها الذنب الذى تاب منه دون غيره.

ويرى فقهاء الشيعة الزيدية أن توبة المحارب تسقط كل ما عليه من حدود غير حد المحاربة, ولكنهم يختلفون فى سقوط حد الآدميين, فيرى بعضهم أن التوبة تسقط أيضًا حقوق الآدميين التى أتلفها المحارب أو التائب حالاً حكمًا, ويرى البعض أن أثر التوبة لا تمتد لحقوق الأفراد وإنها لا تسقط إلا حق الله المحض فلا تمتد لمثل القصاص والقذف والمال.

التوبة ممن عليه حد غير المحارب: هناك اختلاف فى أثر توبة من عليه حد من غير المحاربين, فيرى مالك والظاهريون ورأيهما هو الرأى الراجح فى مذهب الشافعى والرأى المرجوح فى مذهب أحمد أن التوبة لا أثر لها على الحد لقول الله


(١) شرح الزرقانى ج٨ ص١١٢, بدائع الصنائع ج٧ ص٩٦.
(٢) شرح الزرقانى ج٨ ص١١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>