تعالى:{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِى فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ}[النور: ٢] , وهذا عامٌّ فى التائبين وغيرهم, وقال تعالى:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا}[المائدة:٣٨] , ولأن النبى - صلى الله عليه وسلم - رجم ماعزًا والغامدية وقطع الذى جاءه مقرًا بالسرقة وقد جاءوا جميعًا تائبين يطلبون تطهرهم بإقامة الحد, وقد سمى الرسول - صلى الله عليه وسلم - فعلهم توبة فقال فى حق الغامدية:"لقد تابت توبة لو قسمت على سبعين من أهل المدينة لوسعتهم", وجاء عمرو بن سمرة إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - فقال:"يا رسول الله إنى سرقت جملاً لبنى فلان فطهرني, فأقام الرسول عليه الحد". ولأن الحد كفارة عن الذنب فلا يسقط بالتوبة, ولأن التائب مقدور عليه فلم يسقط عنه بالتوبة كالمحارب المقدور عليه.
ويرى أبو حنيفة أن السرقة الصغرى وحدها هى التى يسقط حدها بالتوبة إذا تاب السارق قبل أن يظفر به ورد المال إلى صاحبه فيسقط عنه القطع, بخلاف سائر الحدود فإنها لا تسقط بالتوبة, والفرق أن الخصومة شرط فى السرقة الصغرى والكبرى؛ لأن محل الجناية خاص حق العباد والخصومة تنتهى بالتوبة والتوبة تمامها رد المال إلى صاحبه, فإن وصل المال إلى صاحبه لم يبق له حق الخصومة مع السارق.
أما الرأى الراجح فى مذهب أحمد والمرجوح فى مذهب الشافعى وهو مذهب الشيعة الزيدية فيرى أن كل حد يسقط بالتوبة لقوله تعالى:{وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا}[النساء:١٦] , ولأنه ذكر حد السارق, ثم قال:{فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ}[المائدة:٣٩] , ولأن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال:"التائب من الذنب كمن لا ذنب له", ومن لا ذنب له لا حد عليه، ولأنه قال فى ماعز لما أُخبر بهربه:"هلا تركتموه يتوب فيتوب الله عليه"، ولأن الحدود خالص حد الله فتسقط بالتوبة كحد المحارب.
والقائلون بأن التوبة تسقط الحدود مختلفون فيما إذا كان الحد يسقط بمجرد التوبة أو يسقط بها مع إصلاح العمل, ففريق يسقط الحد بمجرد التوبة وهو ظاهر مذهب أحمد, وفريق يعتبر إصلاح العمل لقوله تعالى: