للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منعهم من التحيز وتعزيرهم على التجمع بقصد استعمال القوة ولإثارة الفتنة. أما أبو حنيفة فيعتبرهم بغاة, ويعتبر حالة البغى قائمة من وقت تجمعهم بقصد القتال والامتناع من الإمام لأنه لو انتظر حقيقة قتالهم ربما لا يمكنه الدفع. ومذهب الشيعة الزيدية يماثل مذهب أبى حنيفة فى هذا. والأصل عند الجميع أن البغاة لا يحل قتالهم إلا إذا قاتلوا, فمن نظر إلى حقيقة القتال اشترط أن يقع القتال فعلاً, ومن نظر إلى وجودهم فى حال قتال اكتفى بتجمعهم بقصد القتال والامتناع (١) , على أن الرأى الراجح فى مذهب أحمد يرى قتل الخوارج لأنهم كفار بتكفيرهم المسلمين واستحلال دمائهم وأموالهم.

ولا يبدأ الإمام قتال الخارجين إلا بعد أن يراسلهم ويسألهم عن سبب خروجهم, فإن ذكروا مظلمة أزالها أو شبهة كشفها, لأن ذلك طريق إلى الصلح ووسيلة إلى الرجوع إلى الحق, وقد فعل على هذا فى وقعة الجمل وفعله مع الحرورية, ولأن الله جل شأنه يقول: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِى تَبْغِي} [الحجرات:٩] , فيجب أن يتقدم ما قدمه الله وهو الصلح ويتأخر ما أخره وهو القتال, ثم يدعوهم بعد ذلك للطاعة فإن استجابوا وإلا قاتلهم, إلا أن يعاجلوه بالقتال فله أن يقاتلهم دون أن يسألهم. ويرى أحمد أن له أيضًا إذا خشى كَلَبَهُم فليس من المتعين أن يراسلهم (٢) .

وقد راسل على أهل البصرة قبل وقعة الجمل, وأمر أصحابه أن لا يبدءوهم بقتال, ثم قال: هذا يوم من فَلَج فيه فَلَج يوم القيامة, ثم سمعهم يقولون: الله أكبر يا ثارات عثمان, فقال: اللهم أكب قتلة عثمان على وجوههم. كذلك بعث عبد الله بن عباس للحرورية فواضعوه كتاب الله ثلاثة أيام فرجع منهم أربعة آلاف.


(١) شرح فتح القدير ج٤ ص٤١٠, الروض النضير ج٤ ص٣٣١, شرح الزرقانى, وحاشية الشيبانى ج٨ ص٦٠, نهاية المحتاج ج٧ ص٣٨٣.
(٢) المغنى ج١٠ ص٥٣, كشاف القناع ج٤ ص٩٦, شرح فتح القدير ج٤ ص٤٠٩, أسنى المطالب ج٤ ص١٤٤, المحلى ج١١ ص٩٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>