للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنه لو وجب التغريم فى حق المرتدين لم يلزم مثله فى حق البغاة؛ فإن أولئك كفار لا تأويل لهم وهؤلاء مسلمون لهم تأويل سائغ فلا يصح إلحاقهم بهم (١) . ويرى الشيعة الزيدية أن البغاة لا ضمان عليهم (٢) .

ويرى مالك عدم تضمين الباغى ولو كان مليئًا سواء أتلف نفوسًا أو أموالاً بشرطين: أولهما: أن يكون الباغى متأولاً, فإن لم يكن متأولاً ضمن, الثانى: أن يكون الإتلاف حدث حال البغى واقتضته ضرورة المغالبة (٣) .

ويسمى الباغى غير المتأول فى مذهب مالك معاندًا, ولكنهم لا يعتبرونه معاندًا إلا إذا كان خارجًا على عادل, فإن خرج على غيره فليس معاندًا ولو كان غير متأول وكان حكمه حكم المتأول.

أما الظاهريون, فالبغاة عندهم ثلاثة أصناف: صنف تأولوا تأويلاً يخفى وجهه على كثير من أهل العلم كمن تعلق بآية خصصتها آية أو بحديث خصصه آخر أو نسخه نص آخر, فهؤلاء معذورون, حكمهم حكم الحاكم المجتهد يخطئ فيقتل مجتهدًا أو يتلف مالاً مجتهدًا أو يقضى فى فرج خطأ مجتهدًا ولم تقم عليه الحجة فى ذلك, ففى الدم دية على بيت المال لا على الباغى ولا على عائلته ويضمن المال كل من أتلفه, وهكذا أيضًا من تأول تأويلاً خرق به الإجماع بجهالة ولم تقم عليه الحجة ولا بلغته, وأما من تأول تأويلاً فاسدًا لا يعذر فيه, لكن خرق الإجماع أى شيء كان ولم يتعلق بقرآن ولا سنة فعليه القود فى النفس وما دونها, والحد فيما أصاب من حدود الله, وضمان ما استهلك من مال, وهكذا من قام فى طلب دنيا مجردًا بلا تأويل ومن قام عصبية (٤) .

وإذا غلب البغاة على بلد فجبوا الخراج والزكاة والجزية وأقاموا الحدود وقع ذلك موقعه, فإذا ظهر أهل العدل بعد على البلد وظفروا بأهل البغى لم يطالبوا بشيء مما جبى ولم يرجع به على من أُخذ منه, وهذا هو رأى مالك وأبى


(١) المغنى ج١٠ ص٦٢.
(٢) نيل الأوطار ج٧ ص٧٩.
(٣) شرح الزرقانى ج٨ ص٦٢.
(٤) المحلى ج١١ ص١٠٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>