للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حنيفة والشافعى وأحمد, وحجتهم أن فى عدم الاعتداد بذلك إضرارًا بالرعية, على أنه إذا كان قد بقى من الأموال التى جبيت شيء فى يد البغاة استولى عليها الإمام لصرفها فى مصارفها (١) . ويقصر مالك عدم الضمان على الباغى المتأول دون غيره.

ويرى الظاهريون أنه لا محل أن يكون حاكمًا إلا من ولاه الإمام الحكم, ولا أن يكون آخذًا للحدود إلا من ولاه الإمام ذلك, ولا أن يكون مُصَدِّقًا أو جابيًا إلا من ولاه الإمام ذلك, فكل من أقام حدًا أو أخذ صدقة أو قضى قطيعة وليس ممن جعل الله ذلك له بتقديم الإمام, فلم يحكم كما أمر الله, ولا أقام الحد كما أمره الله تعالى, ولا أخذ الصدقة كما أمره الله تعالي؛ فإن لم يفعل ذلك كما أُمر فلم يفعل شيئًا من ذلك بحق وإذا يفعله بحق فقد فعله بباطل, وإذا فعله بباطل فقد تعدى: {وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق:١] , والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" فإذا هو ظالم, فالظالم لا حكم له إلا رده ونقضه. وواضح من هذا أن من أخذ صدقة فعليه ردها لأنه أخذها بغير حق فهو متعد فعليه ضمان ما أخذ, إلا أن يوصله إلى الأصناف المذكورة فى القرآن فإذا أوصلها فقد تأدت الزكاة إلى أهلها. وصح من هذا أن كل حد أتاه فهو مظلمة لا يعتد به وتعاد الحدود ثانية ولابد وتؤخذ الدية من مال من قتلوه فورًا وأن يفسخ كل حكم حكموه ولابد.

وليس أدل على ذلك مما رواه عبادة بن الصامت عن أبيه عن جده قال: "بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة فى العسر والسير والمنشط والمكره, وعلى أَثَرة علينا, وأن لا ننازع الأمر أهله, وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف فى الله لومة لائم". وعن عرفجة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ستكون هَنَاتٌ وهنات, فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهى جمع فاضربوه بالسيف كائنًا من كان", فصح أن لهذا


(١) شرح الزرقانى ج٨ ص٦٢, شرح فتح القدير ج٤ ص٤١٣, أسنى المطالب ج٤ ص١١٣, المغنى ج١٠ ص٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>