للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يكون إلا في معصية، أي في فعل محرم لذاته منصوص على تحريمه، ولكن الشريعة تجيزاستثناء من هذه القاعدة العامة أن يكون التعزير في غير معصية، أي فيما لم ينص على تحريمه لذاته إذا اقتضت المصلحة العامة التعزير (١) .

والأفعال والحالات التي تدخل تحت هذا الاستثناء لا يمكن تعيينها ولا حصرها مقدماً؛ لأنها ليست محرمة لذاتها، وإنما تحرم لوصفها، فإن توفر فيها الوصف فهي محرمة وإن تخلف عنها الوصف فهي مباحة، والوصف الذي جعل علة للعقاب هو الإضرار بالمصلحة العامة أو النظام العام، فإذا توفر هذا الوصف في فعل أو حالة استحق الجاني العقاب، وإذا تخلف الوصف فلا عقاب، وعلى هذا يشترط في التعزير للمصلحة العامة أن ينسب إلى الجاني أحد أمرين:

(١) أنه أرتكب فعلاً يمس المصلحة العامة أو النظام العام.

(٢) أنه أصبح في حالة تؤذي المصلحة العامة أو النظام العام.

فإذا عرضت على القضاء قضية نسب فيها للمتهم أنه أتى فعلاً يمس المصلحة العامة أو النظام العام، أو أصبح في حالة تؤذي المصلحة العامة أو النظام العام، وثبت لدى المحكمة صحة ما نسب إلى المتهم لم يكن للقاضي أن يبرئه، وإنما عليه أن يعاقب على ما نسب إليه بالعقوبة التي يراها ملائمة من بين العقوبات المقررة للتعزير، ولو كان ما نسب إلى الجاني غير محرم في الأصل ولا عقاب عليه لذاته.

ويستدل الفقهاء على مشروعية التعزير للمصلحة العامة بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حبس رجلاً اتهم بسرقة بعير، ولما ظهر فيما بعد أنه لم يسرقه أخلى الرسول سبيله (٢) ، ووجه الاستدلال أن الحبس عقوبة تعزيرية والعقوبة لا تكون


(١) نهاية المحتاج ج٨ص١٨، ١٩، الإقناع ج٤ ص٢٦٩، ابن عابدين ج٣ ص٢٥١، ٢٥٩، تبصرة الحكام ج٢ ص٢٦
(٢) شرح فتح القدير ج٤ ص١١٧

<<  <  ج: ص:  >  >>