إلا عن جريمة وبعد ثبوتها، فإذا كان الرسول قد حبس الرجل لمجرد الاتهام فمعنى ذلك أنه عاقبه على التهمة، وأنه أباح عقاب كل من يوجد نفسه أو توجده الظروف في حالة اتهام ولو لم يأت فعلاً محرماً، وهذا العقاب الذي فرضه الرسول بعمله تبرره المصلحة العامة، ويبرره الحرص على النظام العام؛ لأن ترك المتهم مطلق السراح قبل تحقيق ما نسب إليه يؤدي إلى هربه، وقد يؤدي إلى صدور حكم غير صحيح عليه، أو يؤدي إلى عدم تنفيذ العقوبة عليه بعد الحكم، فأساس العقاب هو حماية المصلحة العامة وصيانة النظام العام.
ويستدل الفقهاء أيضاً على مشروعية التعزير للمصلحة العامة بما فعل عمر رضي الله عنه بنصر بن حجاج، فقد كان عمر يعس في المدينة فسمع امرأة تقول:
هل من سبيل لخمر فأشربها ... أم من سبيل إلى نصر بن حجاج؟
فدعا عمر نصر بن حجاج، فوجده شاباً حسن الصورة فحلق رأسه فازداد جمالاً، فنفاه إلى البصرة، خشية أن تفتتن النساء بجماله، مع أنه لم ينسب إليه أنه ارتكب فعلاً محرماً. ووجه الاستدلال أن النفي عقوبة تعزيرية وقعها عمر على نصر بن حجاج لأنه رأى أن وجوده في المدينة ضار بصالح الجماعة مع أن جماله هو الذي أوجده في هذه الحالة، ومع أنه لم يقصد الإضرار بالمصلحة العامة أو النظام العام.
ومن أمثلة التعزير للمصلحة العامة تأديب الصبيان على ترك الصلاة والطهارة، وتأديبهم على ما يأتون من أفعال تعتبرها الشريعة جرائم، مع أن هذه الأفعال لا تعتبر جرائم في حق الصبيان غير المميزين؛ لأنهم ليسوا أهلاً للتكليف، فلا يعتبر إقدامهم على هذه الأفعال عصياناً، ولا تعتبر أفعالهم معاصي (١) ، ومن ثم فهم لا يعاقبون بالعقوبات المقررة لها، ولكنهم يعزرون لحماية المصلحة العامة.
(١) نهاية المحتاج ج٨ ص١٨، الإقناع ج٤ ص٢٦٩، ٢٧٣، بدائع الصنائع ج٧ ص٦٤، ويرى البعض اعتبار الفعل معصية بذاته.